سرحان: 600 كتاب في 5 سنوات…والمثقفون يسألون عن «الكيف»

كتب – محمد العلوي

دار جدل بين مدير المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي منصور سرحان ومثقفين، بشأن واقع حركة التأليف في البحرين، إذ علق عدد من المثقفين على قول سرحان: إن «واقع هذه الحركة بخير»، بتساؤلات تضمنت مطالبات بالتركيز على الكيف لا الكم.

وخلال حديثه إلى «الوسط»، كشف سرحان عن عدد المؤلفات البحرينية في الفترة من 2010 حتى 2014، والبالغ عددها أكثر من 600 عنوان كتاب، ما يعني معدلاً سنويّاً يتجاوز 100 كتاب يصدر في البحرين، مضيفاً «قياساً بعدد السكان، تصبح البحرين في الصدارة عربيّاً وحتى على نطاق أوسع من ذلك».

وبحسب توضيحات سرحان، فإن الغلبة من هذه المؤلفات هي للجانب الأدبي، بما في ذلك الشعر وأنواعه، ثم كتب التاريخ والتراجم، والتي تأتي في المرتبة الثانية وتختص بتاريخ البحرين ومناطقها، وتراجم الشخصيات التي لعبت دوراً بارزاً على المستويين الوطني والاجتماعي.

وتقييماً لمدى اكتمال البنية الثقافية البحرينية، قال سرحان: «الكمال لله، إنما هنالك ومضات إبداعية في المشهد الثقافي البحريني، بينها الحراك الثقافي الذي نراه من خلال معارض الكتاب والندوات والمحاضرات على اختلاف أنواعها، سواء في المراكز الثقافية الكبيرة او الصغيرة، كما هو الحال في مركز عيسى الثقافي ومركز جدحفص، ومركز كانو الثقافي».

وبالحديث عن المطلوب للارتقاء بالمشهد الثقافي البحريني، قال سرحان: «معارض الكتاب جزء من ذلك، لكن هنالك المحاضرات والندوات التي تشكل جزءاً رئيسيّاً، ولا أغفل الإشارة هنا إلى الدور المطلوب من الصحافة المحلية»، مجدداً في هذا الصدد نقده الصحافة تحديدًا في مجال الانتاج الثقافي.

وقال: «عتبي على جميع الصحف البحرينية من دون استثناء، فلا وجود لملحق ثقافي متكامل، على غرار الملاحق الرياضية، ونحن هنا لا نطالب بالضرورة بملحق ثقافي يومي، فالفرصة ممكنة لإصداره بشكل أسبوعي ليمثل استجابة لمطالب قطاعات واسعة»، مضيفاً «كذلك، نتمنى من صحفنا المحلية، العمل على إصدار مجلة خاصة بالطفل ورقيّاً وإلكترونيّاً».

وفي رده على الانتقادات الموجهة لأداء المكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي والتي تتركز حول المطالبة بدور أكبر، قال سرحان: «عملنا في المكتبة الوطنية على الحفاظ على النتاج الفكري المحلي، من القديم والحديث، ونسعى باستمرار إلى تغطية النقص».

وأضاف «الشيء الآخر، إتاحتنا المجال للمواطن عبر توفير الكتب الأخرى التي تأخذ النتاج الفكري الإنساني، فالمكتبات الوطنية على مستوى العالم تقتصر في بعضها على التراث المحلي والإبداع، أما نحن فقد وفرنا إلى جانب ذلك الكتب المنتجة من الفكر الإنساني بما في ذلك الكتب المترجمة، كما أنشأنا قاعة خاصة بالمطبوعات المعنية برسائل الماجستير والدكتوراه».

وتابع «الشيء المهم ما يتعلق بالصحافة المحلية، إذ بذلنا جهوداً في أرشفة جزء كبير من تاريخ هذه الصحافة، ونحن هنا نبشر البحرينيين بحصولنا على أعداد لعام كامل لصحيفة بحرينية أسبوعية، لم يكن لدينا منها الا عدد واحد، كما ننوه الى اننا في طور البحث عن صحيفة الشعلة والتي أصدرها المرحوم محمود المردي في الخمسينات، واكتفت بعدد يتيم أوقفت بعده بسبب الرقابة الاستعمارية، ومن هنا نوجه نداءنا إلى من يمكنه التواصل والتعاون معنا».

ويوجه مثقفون، سهام نقدهم حيال الأداء الرسمي حيال المشهد الثقافي في البحرين، بين من طالب بتسهيلات أكبر للباحثين والمؤلفين، وبين من ذهب إلى أبعد من ذلك حين اعتبر أن الأداء الرسمي يتعاطى مع الجسد الثقافي بمنطق المنح والمنع.

تعليقاً على ذلك، يقول الباحث راشد الجاسم، الذي أنجز حديثاً باكورة مؤلفاته عبر كتاب «البحرين وعمقها العربي والإسلامي»: إن «الحديث عن كم المؤلفات البحرينية سنويّاً، لا يعبر عن أداة فعالة للتقييم، فالكم قد يكون مضرّاً، وقد يشمل جزءاً كبيراً من هذا الكم مجالات متعددة بعيدة عن الفكر والثقافة، كما هو الحال مع الرواية»، شاكياً من توقف حركة التأليف عن ملامسة الكثير من المجالات.

واستشهد على ذلك بالقول: «إذا قرأنا واقع المؤسسات الثقافية في البحرين، سنجد اجتهادات محدودة في هذا الصدد، فلولا، على سبيل المثال، اجتهاد نادي العروبة لم يصدر كتاب، ولولا اجتهاد جمعية الإصلاح لم يصدر كتاب»، مشيراً إلى توقف الكتاب البحرينيين عن النبش في المجال الثقافي والتحولات الثقافية والفكرية، رغم الحاجة الماسة لذلك.

وأضاف «في البحرين هنالك الريادة دائماً في المجالات كافة، لكن الواقع يتحدث عن فشلنا كبحرينيين في الحفاظ على هذه الريادة، وهذا الأمر يطول الجانب الفكري والثقافي، ولنأخذ على سبيل المثال جيل المفكرين الذين غادروا الساحة من دون وجود أجيال تتسلم منهم الراية لتعمل على استدامة هذه الريادة، حتى باتت ساحتنا خالية من النقد الجريء للفكر، من اليمين واليسار على حد سواء».

عطفاً على ذلك، قال الجاسم: «كبحرينيين نبدأ بقوة، ثم ما نلبث أن نسلم الراية إلى الآخرين، ولك في تفوق بعض الدول الخليجية على رغم حداثة تجاربها، خير مثال».

ومن أجل استعادة البحرين، عصرها الذهبي ثقافيّاً، قال الجاسم: «نحن نعوّل على انفراجة 2001، وما تبعها من انفتاح، فالرقابة على سبيل المثال لاتزال بخير مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، وهذا الأمر يستحق الثناء بوصفه مكسباً، وما بعد ذلك هنالك الحاجة للحاضنة الوطنية لحركة التأليف وحركة البحث العلمي، ومطالبنا هنا لا تتجاوز المطالبة بتفعيل النص الدستوري الخاص بذلك».

وأضاف «حول ذلك، هنالك تقصير رسمي واضح، وهذا ما نختبره عبر تجاربنا في التأليف والبحث»، مطالباً بتقديم التسهيلات المطلوبة للباحثين والمؤلفين البحرينيين، عوضاً عن الإجراءات التي تغلب عليها البيروقراطية والتعقيد.

وقال: «سأسرد هنا تجربة مغايرة عاينتها شخصيّاً في دولة الكويت، تحديداً لحظة تواجدي في مركز البابطين، إذ لمست الاستقبال الحافل منذ الوصول حتى لحظة إنجاز البحث، وكانت التوجيهات بتوفير كل ما أحتاج إليه كباحث من البحرين، من دون الاكتراث بتفاصيل أخرى، والحال كذلك مع إدارة الشيخ سلطان القاسمي في الإمارات». وعقّب «هذه الدول هي من سينتج باحثين، نظراً إلى توفيرها أبسط الحقوق ممثلة في المعلومات والإحصائيات وفتح الأرشيف أمامهم».

وعن مؤلفه، الدوافع والأسباب، قال الجاسم: «مهما قدمت لبلدي سأبقى مقصراً، وحين تسألني عن الدافع، فإنني أنوه إلى أن ثقافة التدوين وخاصة في التاريخ باتت بعيدة عن الفكر البحريني إلا ما ندر من المهتمين ومن أصحاب المبادرات الشخصية، على رغم الحديث في كثير من البلدان عن عراقة شعب البحرين، ليشكل بذلك سبباً للمطالبة بتفاصيل تبدو غائبة».

وأضاف «علاوةً على ذلك، ففي ظل الظروف السياسية والإقليمية الملتهبة، نحتاج كشعوب إلى استعادة واسترجاع هذه التفاصيل التي تشكل علامات مضيئة، حتى اكتشفنا تاريخاً للبحرين في صفحات متناثرة من الكتب، بل في أوراق معرضة للتلف، وبجانب ذلك كله، وقفنا على قصص وبصمات للبحرينيين في دول عدة، ويكفي أن أشير هنا إلى دعم أجدادنا لقضايا عديدة لنعرف حجم التفاعل البحريني مع قضايا العالم العادلة، من بينها القضية الأريترية، والدولة العثمانية ولنضال الشعب الليبي في 1913».

وتابع «من رحم كل ذلك، ولدت فكرة توثيق وتخليد أسماء الشخصيات البحرينية، من جميع الأطياف، الصانعة لكل هذا التاريخ المضيء، وليتحولوا في الوقت ذاته إلى عبرة وقدوة للبحرينيين في حاضرهم».

ويكتفي كتاب «البحرين وعمقها العربي والإسلامي»، بتغطية الفترة الزمنية الممتدة إلى خمسة قرون من الغزو البرتغالي حتى استقلال البحرين، وهو ما يرجع الجاسم سببه إلى «نقص المعلومات التي حالت دون التوغل في المزيد من العمق التاريخي»، مردفاً «نحن بحاجة إلى أرشيف وطني، وهو المطلب الذي ظل رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى أمين يصدح به، ونحن نتبناه ونجدد الدعوة إلى ضرورة تلبيته».

بدوره رد الفنان البحريني مهدي سلمان على سؤال عن تقييمه المشهد الثقافي البحريني بالقول: «أعتقد أن هذا المشهد يعيش أزمة حقيقية، وهي ممتدة من بداية الثمانينات إذ أؤسس لها مع صدور قانون الجمعيات وتشكل الجمعيات الثقافية على هيئة تقسيمات مسرحية وأدبية وتشكيلية، ما تسبب في تقسيم المشهد الثقافي وأخل بحالة التكامل اللازمة لهذا المشهد».

وأضاف «هذا التقسيم ينتج عملية ثقافية خاطئة، نظراً إلى حيلولتها دون وجود تداول للأفكار، وصولاً إلى إنتاج حالة تشظي شوهت الجسد الثقافي في البحرين».

وأوضح «الصحيح هو التقاء الجماعات الثقافية على أساس الفكرة لا على أساس مهني، وهذه الأخيرة قد تكون مقبولة في إطار التنظيم المهني والنقابي، أما ثقافيّاً فإن المؤسسة الجامعة تقوم على الفكرة أو المنهج»، لافتاً إلى أن هذا التشكيل الخاطئ أنتج صراعات داخل هذه الجماعات الثقافية، بدلاً من تطوير المشهد الثقافي».

بجانب ذلك، تحدث سلمان عن تنظيم الدولة للعملية الثقافية، معتبراً أنها «تقوم على المكافآت والعطايا، الأمر الذي أنتج مثقفاً خانعاً خاضعاً، يكتب بمقابل أو يسكت بمقابل، ما أفقد الجسد الثقافي في البحرين استقلاليته وقيمته كجزء مهم وحيوي من أي بناء مجتمعي، وهذا الأمر يفسر عدم فاعلية المثقف البحريني قبالة أي نوع من أنوع السلطة، لينتج لنا ذلك مجتمعاً غير صحي تنخر في جسده الأمراض الاجتماعية والطائفية».

من جانبه، تحدث رجل الدين والنائب السابق الشيخ إبراهيم الحادي، صاحب الاهتمامات الثقافية، عن الحركة الثقافية في البلد، عبر قوله: إن «كثيراً من الأذواق فسدت في الشئون الأدبية أو الشعرية التي نبحث أحياناً عنها للاستجمام الثقافي، فنجد أن بعض الأمور السياسية تطغى أحياناً وتشجعها في ذلك الصحف، حتى تصبح السياسية هي السمة الطاغية على الأدب».

وأضاف «شخصيّاً، أرى ان السياسة تفرق، وبقية العلوم قد تقرب أكثر منها، فكثير من الروايات والوسائل المقروءة والمسموعة التي تباع في المعارض الثقافية تقرب الشعوب ووجهات النظر».

وفيما إذا كان يعني أن الشأن الثقافي قادر على لعب دور توحيدي، قال: «لِمَ لا يكون كذلك في ظل هذا العالم المتصارع جدّاً، فربما تكون أرض مشتركة تحقق الأنس بين بعضنا بعضاً، ليجعل ذلك من الشأن الثقافي علاجاً للكثير من الأمراض الاجتماعية، وخاصةً حين يقرأ بعضنا أفكار الطرف الآخر، ما قد ينتج توافقاً في الكثير من الرؤى».

وتقييماً لحركة التأليف البحرينية، قال الحادي: «هذه الحركة نشطة نوعاً مّا، لكن يبقى السؤال عن المحتوى والذي لا يحوز أغلبه إعجابي كقارئ، تحديداً من يسعى إلى الكم على حساب الكيف، فمع كامل الاحترام لجميع الأسماء البحرينية، إلا أن الحقيقة تدفعنا إلى القول إن كثيراً من هذه المؤلفات تفتقر إلى الهيبة المطلوبة للكتاب، ومع ذلك هنالك من يفرض احترامه علينا كقراء وإن غابوا عن المشهد، بسبب قلة الإنتاج الذي يشكل على رغم ذلك قيمة مضافة إلى القارئ».

ولا يجد الحادي وهو رجل الدين، حرجاً من الانفتاح على الثقافات المختلفة، وهو في ذلك يقول: «نحن نقرأ جميع هذه الأفكار، وميزاننا كتاب الله وسنة رسوله (ص)، فإذا ما قرأنا وعرفنا وانفتحنا على الثقافات الأخرى، عرفنا كيف نحاورهم، وعرفنا كيف شوهت الصورة لمن يعادي هذا الدين، وسنعرف بلا شك المداخل المناسبة لمحاورته ولنوضح له مزايا ديننا الحنيف»، مشدداً على أهمية قراءة أفكار الآخرين والانفتاح على التجارب المقابلة.

ورداً على سؤال عن مدى إشباع التأليف حول نشاط التيارات الإسلامية في البحرين، فكريّاً وسياسيّاً، قال الحادي: «ما أراه أن المجال مفتوح لذلك، فالسقف عالٍ لمن أراد أن يؤلف، ونحن شعب منفتح نعرف الغث من السمين، ونعلم ان هنالك أفكاراً وتيارات موجودة وكل يعرض بضاعته، وقد وجدت تجنياً من بعض الكتب على الطرف الآخر، ووجدت في الوقت ذاته إنصافاً حيال الآخر، وبشكل عام هذا هو حال الكتب والحكم في نهاية المطاف يبقى للقارئ».

صحيفة الوسط البحرينية – السبت 03 أكتوبر 2015م

مرايا التراث

في تاريخ وتراث البحرين