Monthly Archives: 26 جوان, 2015

حلة العبد الصالح… عراقةٌ في التاريخ الذي لايزال «مهملاً»

الكَلداري: سُمِّيت نسبة للشيخ حسن… ومسجده تحوَّل تراباً

حلة العبد الصالح… تواضعٌ في الجغرافيا وعراقةٌ في التاريخ الذي لايزال «مهملاً»

صورة مسجد الشيخ حسن «العبد الصالح»

صورة مسجد الشيخ حسن «العبد الصالح»

هناك في الطرف الشمالي من مملكة البحرين، تستريح قرية «حلة العبد الصالح»، إحدى قرى البحرين الصغيرة، والتي تتموضع شمال قرية المقشع، وشرق قرية كرانة، وجنوب قرية القلعة، وجنوب غرب قرية كرباباد، لكن من هو هذا العبد الصالح الذي سميت القرية باسمه؟

في دراسة للباحث التاريخي إسماعيل الكَلداري، عن القرية وسبب تسميتها التي تعود للعبد الصالح، يشير إلى أن «المصادر التي بين أيدينا لا تصرح بشيء عن شخصية العبد الصالح، واسمه «الشيخ حسن» فلذا كثرت التكهنات والأقوال حوله»، مرجحاً أن يكون من أعلام القرن الحادي عشر الهجري أو ما قبله.

اسماعيل الكلداريونوه الكَلداري إلى وجود مسجد في القرية يحمل اسم هذا الشيخ «مسجد الشيخ حسن»، إلا أنه وبحسب الموقع الرسمي لإدارة الأوقاف الجعفرية تحول إلى أكمة من التراب بسبب الإهمال، رغم انه مسجد تاريخي يستوجب الحفاظ عليه.

وتطرق الكَلداري إلى التفرد الذي ظهر به أحد الكتب الذي لايزال مخطوطاً لأحد علماء البحرين، وذلك بالكشف عن شخصية هذا العبد الصالح، ففي مكتبة جامعة الإلهيات في مشهد المقدسة توجد نسخة مخطوطة تحت رقم «18870» وهي كتاب يحمل عنوان: «زهر البساتين وبهجة السائحين» للشيخ محمد بن علي بن حيدر النعيمي البحراني (توفي 1221 هـ/ 1806م)، وهو عبارة عن كشكول ذكر فيه مصنفه بعض المعلومات المهمة.

وأضاف «أما المؤلف لهذا الكتاب فقد ترجمه صاحب الذخائر ص 182 فقال: «الشيخ محمد بن الشيخ عليّ بن حيدر النعيمي البحراني، لجّة علم لا تدركها الدلاء، ومحجّة فضل لا يفتقر ساكنها إلى الولاء، حلّ من رتب المعارف المحلّ الأسمى، ودلّ عرفانه على أن الاسم عين المسمّى، أخذ الفقه عن جدي العلامة صاحب الحدائق (الشيخ يوسف العصفور البحراني المتوفى في 1772 م) ومجاز عنه، له كتاب في المنطق، ورسالة في المعاد الجسماني، وغير ذلك، مات سنة 1221هـ/ 1806م الحادي والعشرين بعد المئتين والألف».

ووفقاً لتبيان الكَلداري، فقد عدّ الشيخ يوسف العصفور في لؤلؤة البحرين ص449 من جملة مصنفاته «أجوبة مسائل الشيخ محمد بن الشيخ عليّ بن حيدر النعيمي»، فهو من تلامذة الشيخ يوسف العصفور، ومجاز منه، وصنف له أستاذه رسالة في أجوبة مسائله.

وفي الحديث عن سبب التسمية، قال الكَلداري «في كتاب (زهر البساتين وبهجة السائحين) صفحة «208» يذكر سبب تسميتها نسبة إلى هذا العالم فيقول: مما قاله العبد الصالح البحراني من قرية نسبت إليه تسمى قرية «العبد الصالح» وهو مدفون فيها، وله قبة ومسجد رحمه الله تعالى، وكان من الصلحاء المعدودين في الزهد والورع والعبادة، ونقل لي بعض الأجلاء أنّ اسمه «الشيخ حسن» وكان عالماً جليلاً».

وأضاف الكَلداري «يظهر مما ينسب للعبد الصالح «الشيخ حسن» من أقوال أنه متقدم زماناً على الشيخ محمد بن الشيخ علي بن حيدر النعيمي البحراني، بدليل قوله «وهو مدفون فيها، وله قبة ومسجد»، فيحتمل كون العبد الصالح «الشيخ حسن» من أعلام القرن الحادي عشر الهجري أو ما قبله».

ووجه حديثه ناحية المحققين، مؤملاً منهم الإسراع في إخراج كتاب «زهر البساتين» إلى النور. لافتاً إلى وجود مقام ومسجد آخر في قرية «حلّة العبد الصالح» للشيخ عيسى بن إبراهيم، دون أن يعرف عن أحواله شيئاً. ذلك ما يبينه الشيخ إبراهيم المبارك في كتاب حاضر البحرين ص59: «الشيخ عيسى في حلة عبد الصالح ولم نعرف من حياته شيئاً».

وأضاف «في سجل السيد عدنان الموسوي (توفي في 1927 م) وقفيات عديدة للمسجد المذكور».

كما نبه إلى ما ذهب إليه العلامة الشيخ باقر العصفور من كون «الشيخ عيسى» هذا له علاقة بصاحب الرمانة كما جاء في العقد الزاهر ص301 «ومن الأولياء وأصحاب الكرامات والمقامات العالية الشيخ عيسى صاحب قصة الرمانة مع وزير البحرين… والقصة مذكورة في كشكول الشيخ يوسف العصفور البحراني، وقبر الشيخ عيسى في قرية كرانة».

وأردف «يلاحظ عليه: أن صاحب «الكشكول» نقل القصة عن كتاب «بحار الأنوار»، وكلاهما ذكرا أن صاحب قصة الرمانة هو «الشيخ محمد بن عيسى»، لا «الشيخ عيسى»، كما ذكره الشيخ باقر العصفور»، راجع الكشكول للشيخ يوسف العصفور البحراني ج1 ص216، وبحار الأنوار للعلامة المجلسي ج52 ص178.

وعقب الكَلداري «قبر «الشيخ عيسى» في حلة العبد الصالح، وليس في قرية كرانة. على أن المشهور لدى أهل البحرين أن مزار «الشيخ محمد بن عيسى» صاحب الرمانة هو في قرية دمستان، فما ذكره العلامة الشيخ باقر العصفور لا يستند إلى دليل، والشهرة قائمة على خلافه».

بجانب ذلك، قال الكَلداري، إن في قرية «حلة العبد الصالح» مساجد أخرى نسبت إلى أسماء مشايخ لا نعلم عنهم شيئاً، من بينها مسجد «الشيخ عبدالله» ومسجد «الشيخ فيروز». أما «مسجد العلوي» فقد كان اسمه قديماً مسجد العذار نسبة إلى البستان الذي بجنبه، وأعاد بناءه سيد علوي سيد جواد الغريفي المنامي مالك البستان فنسب إليه.

وأضاف «كما عثر في القرية نفسها على بقايا مسجد قديم وبجنه قبر عليه ساجة منقوشة تعود للقرن العاشر الهجري لشخص اسمه «ناصر بن عبدالله بن ربيع الأوالي البحراني»، وبجنبه حجر منقوش عليه وقفية هذا نصها (في تاريخ اليوم العشرين من شهر رجب لسنة خمس وستين وتسعمئة ( 1557م)، أوقف العبد المذنب أقل عباد الله وأحوجهم إلى رحمة ربه ورضوانه محمد بن ناصر بن عبدالله بن ربيع، تمام ثلث الملك المعروف بناقص برقيب من بربغي في ديوان بوري، على قراءة والده ناصر بن عبدالله، كل يوم جزءين من كتاب الله العزيز، وعلى قراءة أمه مريم بنت إبراهيم كل يوم جزءين من كتاب الله، كائنة تلك القراءة في مسجد الرستان، وأوقف تمام ثلث الملك المذكور في وجه استقاء الماء البرودة مسجد الرستان، ولمن يستقي الماء البرودة الواقعة في فلاة بربغي، ولعمارة المسجد الواقع في فلاة بربغي يكون الثلث المذكور بين المسجد وبين البرودة وبين أيد أثلاثاً، وقفاً شرعياً صحيحاً)، وتم نقل هذا الحجر إلى متحف البحرين الوطني، كما توجد حول المسجد المذكور آثار لعين ومساكن».

وأوغل الكَلداري ببحثه إلى القرن الثاني عشر الهجري، مشيراً إلى نبوغ العالم والشاعر المشهور «الشيخ علي الصالحي» وهو من تلامذة العلامة الشيخ حسين العصفور (توفي 1801 م)، وله شعر كثير متفرق في المجاميع الشعرية، راجع ترجمته في منتظم الدرين ج3 ص82.

كذلك، نوه بوجود العديد من الآثار في حلة العبد الصالح والقرى المحيطة بها والتي تشهد بقدمها، وقدم الاستيطان فيها، وذلك يعود لقربها من قلعة البحرين التاريخية «قلعة عجاج».

صورة الصفحة 208 من مخطوطة «زهر البساتين وبهجة السائحين» للشيخ محمد بن علي بن حيدر النعيمي البحراني 1221 هـ (1806م)

صورة الصفحة 208 من مخطوطة «زهر البساتين وبهجة السائحين» للشيخ محمد بن علي بن حيدر النعيمي البحراني 1221 هـ (1806م)

خريطة موقع مسجد الشيخ حسن «العبد الصالح»

خريطة موقع مسجد الشيخ حسن «العبد الصالح»

صورة القبر الأثري لناصر بن عبدالله بن ربيع الأوالي «ق10 هـ»

صورة القبر الأثري لناصر بن عبدالله بن ربيع الأوالي «ق10 هـ»

صورة الوقفية المنقوشة على الحجر بجانب القبر الأثري

صورة الوقفية المنقوشة على الحجر بجانب القبر الأثري

مسجد ومقام الشيخ عيسى بن إبراهيم في قرية «حلة العبد الصالح»

مسجد ومقام الشيخ عيسى بن إبراهيم في قرية «حلة العبد الصالح»

وقف لمأتم الحاج مهدي بن مدن في قرية «حلة العبد الصالح» من سجل السيد عدنان الموسوي

وقف لمأتم الحاج مهدي بن مدن في قرية «حلة العبد الصالح» من سجل السيد عدنان الموسوي

وقف لمسجد الشيخ عيسى بن إبراهيم «من سجل السيد عدنان الموسوي»

وقف لمسجد الشيخ عيسى بن إبراهيم «من سجل السيد عدنان الموسوي»

صحيفة الوسط البحرينية – الجمعة 26 يونيو 2015م

الباحث المحاري: قرية محارة هُجرت قبل 200 عام بسبب غزو العمانيين

الباحث سلمان المحاري

الباحث سلمان المحاري

من المكتشفات الأثرية التي عثر عليها في موقع قرية المحارة، وهي المنطقة الواقعة بين قريتي القدم والمقشع وبالتحديد في المساحة التي تعرف اليوم بـ (ساحة الحرية)، واستناداً إلى نتائج التنقيبات في سبعينيات القرن الماضي والروايات الشفهية، فإن العديد من الآباء والأجداد كانوا يستوطنون أو يسكنون في قرية تعرف بأبي محارة، عند المقشع، ولهم فيها مسجد بنفس الاسم مدفون فيه أحد أجدادهم وهو الشيخ حماد، وقد هجروا القرية قبل ما يقارب 200 عام نتيجة للهجمات التي تعرضوا لها أثناء الغزو العماني للبحرين في العام 1899 ميلادية، وهو ذات العام الذي قتل فيها الشيخ حسين آل عصفور.

ويتوغل الباحث سلمان المحاري في محاضرته التي ألقاها مساء يوم الخميس 18 يونيو/ حزيران 2015 بمأتم جنوسان حول (المحاري.. القرية والعائلة)، يستهل الحديث بالإشارة أن لهذه القرية ثقل اجتماعي واقتصادي في كل الفترات التي مرت بها حتى اندثارها، فقد حاولنا جمع معلومات عن العائلة وعن القرية التي يقطنون فيها من الكتب والوثائق والمخطوطات أو من المكتشفات الأثرية أو من الرواية الشفهية التي وصلت إلينا من الآباء والأجداد، وأن هذا البحث يهدف إلى تقديم تجربة ودعوة لجميع العوائل الموجودة في البحرين وفي إقليم البحرين للبدء في توثيق تاريخها، أما الهدف الثاني الذي تناوله الباحث المحاري فهو ليس التفاخر بالحسب والأصل والتفاخر بالعدد والتاريخ، لكن الهدف هو الامتثال للحديث النبوي الشريف :»تعرفوا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم»، لا سيما ونحن في بداية الشهر الفضيل الذي حثنا ديننا الإسلامي الحنيف على صلة الرحم فيه ولم الشمل وجمع المتناثر من الأفراد في المناطق المختلفة.

وفيما يتعلق بأصل تسمية القرية، فإن الباحث أشار إلى أن الكثير من الناس يرجعون التسمية إلى الغوص وتجارة اللؤلؤ والأصداف والمحار، وبالفعل، كانت هناك مهنة يقوم بها أحد الأشخاص بجمع الأصداف من النواخذة بعد عودتهم من الغوص ويبيعها على بعض من يأتون من خارج البحرين بغرض استخدامها في تصنيع الزينة وأنواع من الأصباغ وكذلك لصناعة الجير المستخدم في المباني، ووجد الباحث في مقالة للمؤرخ العراقي أمجد الزبيدي حول تمصير البصرة، أي تنشئتها وإعطائها مركزاً علمياً، فالكثير من الصحابة ومن الرجالات في إقليم البحرين ذهبوا إلى البصرة ومن تلك الأسماء شخص اسمه أبان المحاري، وفي سيرة ذلك الشخص أنه ممن وفدوا على الرسول «ص» مع جماعة من عبدالقيس، وفي بحث آخر للشيخ محمود البغدادي، إشارة إلى عبدالرحمن بن أبي الشعثاء المحاري، وفي كتاب (منتهى المقال في أحوال الرجال) للمازندراني جاء ذكر ذريح بن محمد بن يزيد المحاري، إلا أنه في متن الكتاب كان يتحدث عن المحاربي وليس المحاري، ولا أدعي هنا أن هذا هو الصح أو الخطأ إنما وردت في بعض الأبحاث إسم المحاري وبعض آخر ورد إسم المحاربي.

ويوضح المحاضر بالقول: «حين نذكر عائلة المحاري لابد من اللجوء إلى قرية المحاري التي أوردها المؤرخ البحريني محمد علي التاجر باسم أبو محارة في عقد كتابه: «عقد اللآل في تاريخ أوال» بأنها قرية بين القدم والمقشع كانت قرية قديمة وهي الآن خربة، والنسبة إليها (محاري)، وممن ينسب إليها من الأعيان التاجر الشهير حسين المحاري المتوطن في بغداد والمتوفي في العام 1922… وقد ذكر المؤرخ ناصر الخيري القرية في كتابه قلائد النحرين في تاريخ البحرين ضمن قائمة القرى الكثيرة، ووردت باسم قرية المحارة، أما الشيخ إبراهيم المبارك فذكر القرية عندما تحدث عن الشيخ حماد بأن قبره يقع في محاري جنوباً عن المقشاع قريباً من شارع البديع وهو والد الشيخ علي بن حماد المدفون في قرية باربار.

واستعرض الباحث المحاري وثيقة تتعلق بمسجد أبي محارة تشير إلى أن هناك ساقية ممتدة من المسجد وتصب مياهها في الساحل الشمالي عند قرية الديه، كما استعرض صوراً قديمة للقرية منذ عقدي الأربعينيات والخمسينيات توضح المنازل المأهولة، وفي هذا الصدد أشار إلى أنه في الفترة من العام 1974 إلى 2005، كانت هناك عمليات تنقيب مستمرة ونتائج التنقيب أظهرت أن هذه القرية كان يخترقها في وسطها باتجاه الشرق طريق رئيسي عرضه مترين ونصف إلى ثلاثة أمتار تتفرع منه بعض الأزقة الضيقة تفصل بين بعض البيوت، وهذا يدل على أن القرية كانت من عائلة واحدة وتتميز البيوت في الموقع بشكلها المستطيل، وغالباً كانت تتكون من فناء أو «الحوش» المكشوف، بالإضافة إلى عدد غرف تتراوح بين 3 إلى 4 غرف وللبيوت بابين في اتجاهين مختلفين.

وتكشف بعض الوثائق والصور وجود المدابس التي تشير إلى أن أهل القرية التي يملكون هذه المدابس هم أناس يعيشون في درجة من التمكن والرفاهية، ومن سمات بعض غرف البيوت أن بها مسبح للاستحمام، وفي القرية مازالت موجودة وهي تل مدافن ديلمون، واستخدمت في الفترة الإسلامية كموقع للخيول والماشية، ومن خلال المكتشفات الأثرية من مواد وأواني وأدوات من الزينة عينات من الأساور الزجاجية الملونة والخرز وأحجار كريمة وتحف معمارية تدل على أن من يقطن في القرية كانوا بمستوى معيشي راقٍ ومرتفع وكانوا في رخاء وقوة اقتصادية.

صحيفة الوسط البحرينية – السبت 20 يونيو 2015م

عين القصارين: التاريخ الذي لم يوثق بعد

عين قصاري الصغرى (الدوبية) في العام 1934

عين قصاري الصغرى (الدوبية) في العام 1934

بقلم حسين محمد حسين 

أسواق المدن الرئيسية في القرون الإسلامية الأولى، كانت تنظم بحسب نظام معين، فقد كانت لها تقاسيم متخصصة بحسب ترتيب معين، ويعتبر سوق البصرة واحد من أقدم هذه الأسواق. ويرى يوسف العلي في دراسته «أسواق البصرة في القرن الثالث والرابع للهجرة» أن أسواق البصرة، منذ بداية نشأتها، بدأت تتشكل بحسب نظام معين؛ حيث أخذت تنتظم في مجموعات تضم كل مجموعة الصناعات ذات المصالح المشتركة، ففي سوق المربد، مثلاً، نجد التبانين وسوق الإبل والدباغين في منطقة واحدة وكذلك القفالين على باب الصفارين، وتشكل كل مهنة سوقاً فرعية داخل السوق الكبيرة. ويرى العلي أن سوق البصرة ربما أصبحت أنموذجاً يتبع؛ فقد تم إنشاء عدد من الأسواق على هذا الأساس، فيشير أسلم الواسطي إلى أن أسواق واسط قد بنيت على هذا الأساس، كما أن يزيد بن حاتم المهلبي البصري قام بتنظيم سوق القيروان متبعاً الأسلوب ذاته، ولعله تأثر بأسواق مدينة البصرة (العلي 1973). كذلك أسواق مدينة تلمسان التي كانت قاعدة المغرب الأوسط، تم تقسيمها على نفس هذا الأساس (بن صديق 2013). ويلاحظ أن كل سوق تخصصية ينشأ عنها إما سوق يحمل اسم المهنة أو حي يحمل اسم المهنة ذاتها.

حسين محمد حسينالبحرين، كذلك، ليست استثناء فقد نشأت فيها أسواق تخصصية بمثل نمط الأسواق السابقة، أي ظهور تجمعات متخصصة لأصحاب المهنة الواحدة، ففي المنامة، على سبيل المثال، مازال عدد من أحيائها تحمل أسماء مهن؛ حيث كان بها سوق خاصة بهذه المهنة. ونحن نرجح وجود سوق أقدم من سوق المنامة تأسست بمثل نظامها، ونرجح أنها كانت في البلدة القديمة التي كان مركزها مسجد الخميس. ولا نقصد بالبلد القديم هنا، منطقة البلاد القديم بحدودها الحالية، وإنما نقصد البلد القديم بمعناها الاصطلاحي، أي المدينة القديمة التي نشأت حول مركز القيادة الدينية في البحرين قديماً. وهذه المنطقة كانت شاسعة، وهي موزعة حالياً في عددٍ من المناطق المحيطة بالمسجد. وعلى رغم عدم وجود دلائل تاريخية واضحة وصريحة تنص على ذلك، إلا أنه يمكن ترجيح أن بهذه المنطقة كانت العديد من الخدمات والأسواق المتخصصة، وذلك من خلال تتبع أماكنها بحسب تسميات الأحياء والأماكن التي بقيت حتى يومنا هذا، كأسماء الأحياء في جدحفص (السوق، والمحاسنية، والبناءة، وغيرها)، وكذلك حي أو قرية الصفافير. ومنها، كذلك، عين القصارين؛ فوجود هذه العين بهذا المسمى يؤكد وجود طبقة عاملة متخصصة، كانوا يعملون كقصارين.

حي القصارين وسوق القصارين

لم تكن الأسواق القديمة، التي سبق ذكرها، تخلو من سوق للقصارين، وقد تم الإشارة لموضع هذه السوق إما بمسمى سوق القصارين، كما في أسواق البصرة (العلي 1973)، أو باسم حي القصارين كما في تلمسان (بن صديق 2013، ص 70) أو بالإشارة لعين ماء خاصة بهم كعين القصارين، كما في دمشق. والقصارين، جمع ومفردها القصّار، وهي إحدى المهن الشاقة والتي عرفت منذ القدم، وينسب لهذه المهنة فيقال القصّار (الموسوي 2014) أو القصاري (السيوطي، طبعة دار الكتب 1991، ج2: ص 182). وأفضل وصف لمهنة القصّار وردت في كتاب «المهن الشامية»؛ حيث جاء في تعريف القصّار:

«هو من يقصر القماش، أي ينقيه من الأوساخ والأدناس. وبدمشق محل مشهور من قديم، يعرف بعين القصارين، غربي دمشق، بمحل يعرف بالمرجه، موجود فيها عين ماء، وعلى أطراف العين المذكورة أرض واسعة معشبة، يخرج أصحاب هذه الحرفة بالقماش الذي يلزمه قصر إلى ذلك المحل، ويغسلونه بماء تلك العين، وينظفونه، وينشرونه على ذلك المرج… وعندما ينظف ويقصر لونه، أي يبيض، يتركونه حتى يجف، فيجمعونه ويأتون به إلى البلدة. وبالجملة فهي حرفة يتعيش بها أناس كثيرون. وهي حرفة مؤلمة، تورث تعباً ومشقة. وعين القصارين المذكورة منزه لطيف، ماؤه عذب، يقصده زمن الصيف غالب أهالي دمشق» (القاسمي وآخرون 1988، ص 353 – 354).

وقد ذكرت مهنة القصّار في الأشعار، وممن ذكرها الشاعر أبو الحسين الجزار (توفي العام 1273م):

أحمل نفسي كل يوم وليلة

هموماً على من لا أفوز بخيره

كما سود القصّار في الشمس وجهه

حريصاً على تبييض أثواب غيره

يذكر أن القصارين، ومنذ القدم، شكلوا طبقة عمالية مميزة. ولهذه الطبقة ذكر في حضارات الجنوب الرافدي؛ فقد عثر على نقوشات على قطع حجرية عبارة عن عقود بين أفراد وجماعة من القصارين، وتعود هذه العقود للقرن السادس قبل الميلاد (Waerzeggers 2006).

عين القصارين أو عين قصاري

في البحرين كانت هناك عين مخصصة للقصارين، وقد عرفت هذه العين باسم عين القصارين، ثم خفف الاسم فأصبح اسمها عين قصاري. وقد كانت العين تتكون من جزءين، وكان يعرف الجزء الأول باسم عين قصاري الصغرى وكانت تستخدم من قبل القصارين، وقد عمل فيها قصارين من المناطق المجاورة نفسها لها، وللأسف الشديد لم يتم توثيق أي شيء عن هذه المهنة التي انقرضت. كذلك، فقد عمل فيها غير البحرينيين في مهنة غسل الملابس، وعرفت لاحقاً باسم عين الدوبية، وهي كلمة دخيلة، لها نفس معنى القصارين. أما الجزء الثاني من العين فهو عين قصاري الكبرى، وقد كانت تستخدم لري الأراضي الزراعية والاستجمام.

وتعتبر مهنة القصارين، في البحرين، من المهن القديمة، وتعتبر عين قصاري أقدم موقع عرف لممارسة هذه المهنة في البحرين؛ فقد ورد ذكر «عين القصارين» في نقش قديم يرجع تاريخه للعام 776 هجرية (1374 م) وقد عرف هذا النقش باسم نقش «الوقفية» لأنه تضمن مجموعة من أسماء النخيل التي تعتبر وقفاً، ويرجح أنه يوثق ترميم مسجد الخميس والأوقاف التابعة له (راجع كتابنا مسجد الخميس لمزيد من التفاصيل). النقش يتكون من قطعتين، النص الذي نقش على القطعة الأولى يتكون من أربعة أسطر، أما نص القطعة الثانية فيتكون من سطرين وهو ما يهمّنا هنا، ونصه كالتالي:

(1) أيضاً يضاف على نصف حمكان مع صرمر فوليان جوبار.

(2) عين القصارين الصغرى الغربي وقفا شرعيا متقربا إلى الله تعالى.

أطلال عين قصاري

عين قصاري كانت تحمل الكثير من التاريخ الذي لم يوثق، ولم يبقَ من هذه العين أي أثر مادي، سوى أثر محدود في الذاكرة الشعبية. ففي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت العيون الطبيعية في البحرين تتدهور، وبدأت ينابيعها تجف، وبدأ حينها مسلسل ردم العيون الطبيعية. عين قصاري ليست استثناء فعند ما قل تدفق نبع عين قصاري الكبرى، تم ردمها في العام 1985م، وحولت إلى ملعب لكرة القدم ثم حولت لحديقة عامة. أما عين قصاري الصغرى أو الدوبية، فقد فقدت أهميتها، لكساد مهنة تغسيل الملابس في العيون. وعندما هجرت، تم ردمها وبناء مكانها متنزه، متنزه عين قصاري، وذلك في العام 1972م (القصيبي 1997، ص 58- 61). وهكذا تم طي صفحة عريقة من تاريخ البحرين دون أن توثق. فلم يبقَ للعين أثر ولم يبقَ لمهنة القصارين ذكر.

الخلاصة، أن وجود عين للقصارين، إضافة لأحياء أخرى، كالصفافير وغيرها، كلها تعتبر مؤشرات على وجود أسواق متخصصة، وجميعها متركزة حول المنطقة التي بني بها مسجد الخميس، ما يجعلنا نرجح وجود بلدة قديمة بها سوق منظمة بحسب نظام الأسواق القديمة في المدن العريقة.

صحيفة الوسط البحرينية – السبت 20 يونيو 2015م

في حضرة المكتبة

Books-1

بقلم عصمت الموسوي

صحيفة الوسط البحرينية – الثلثاء 16 يونيو 2015م

ضمن مبادرتها المتميزة للاحتفاء بالشخصيات البحرينية العلمية والأدبية والسياسية وتسليط الضوء عليها وتعريف الرأي العام بدورها ومنجزاتها، أقامت صحيفة «الوسط» مطلع الأسبوع الماضي فعاليةً للخطيب العدناني السيد محمد صالح عدنان الموسوي.

والواقع أن الفعالية أحاطت ببعض جوانب شخصية الخطيب ومسيرة والده السيد عدنان مؤسّس الأوقاف الجعفرية وموثّق أراضيها وأملاكها، وقد تحدّث أبناء الخطيب وأصدقاؤه ومعارفه وكاتب سيرته عن المنعطفات المهمة في مسيرته الحياتية، وتأثير الدراسة في الهند في تشكيل شخصيته المتفردة، لكن تبقى ثمة أسئلة جديرة بالطرح: ترى هل اكتسب الخطيب العدناني صفة التسامح وقبول الآخر والتعاطي مع الاختلاف بروح رياضية – بلا تعصب ولا تشنج ولا غضب – من خلال ثقافته الموسوعية والتي لم تقتصر على حقل واحد من المعرفة، أم بسبب دراسته في الهند في عمرٍ مبكرٍ وتشكّل وعيه عبر اتصاله بعالم غني الثقافة وشديد التنوع والاختلاف، أم أنها طبع أصيل ومتجذّر في شخصيته وطباع عائلته الدينية المتحدّرة من بيت علم ودين عريقين؟ أم إنه كان بصدد تحقيق غايات كبرى في حياته، وان تلك إلا صفات مكتسبة تدرب عليها لتسهيل بلوغ هذه الغايات؟

انتهج الخطيب العدناني فلسفة حياتية فكرية واجتماعية ذات طابع مرن ومسالم على غرار شخصيته الهادئة، رفض مهنة القضاء والأوقاف التي امتهنها أبوه فكسر حلقة توريث الوظيفة الدارج في مجتمعاتنا. اختار لنفسه فضاءً مهنياً معتاداً في ذلك الوقت، بيد أنه لم يقسر أحداً من أبنائه على محاكاته.

مات الأب وقد أرسى دعائم الوقف الشيعي ذي الثروات الهائلة، لكن الطفل اليتيم عاش فقيراً ومعوزاً، عوَض يتمه المبكر ووحدته وانعدام وجود أشقاء وشقيقات في حياته بإنجاب ذرية كبيرة. نظر إلى التاريخ الإسلامي بموضوعية وتعاطى مع شخصياته الجدلية أو المنبوذة بطريقة أقل قسوةً من مجايليه. اختبر جرأة الطرح الديني في مطلع أعوام السبعينيات، لكن العاصفة التي ووجه بها وضعته أمام خيارين: أما مواصلة هذا الدرب الشاق وتحمل عواقبه الوخيمة أو المسايرة وتوخي السلامة. امتلك لسانين، واحداً للعامة وآخر للخاصة. تبحّر في التاريخ الإسلامي وكانت له استنتاجاته الخاصة وغير المسبوقة التي سرب بعضها في كتبه، فيما عدا الخشية من الاقتراب من المحظورات الدينية أو المذهبية.

كان في حلٍّ من التمسك برضا الناس على الصعيد الاجتماعي. ادخل المذياع والتلفاز إلى بيوته الأربعة قبل شيوعها وإجازة تحليلها. أقام علاقةً محبّبةً مع التصوير الذي أيضاً كان محرّماً ومستهجناً في أوساط العامة ورجال الدين خاصةً. صوّر أبناءه وعائلته وأصدقاءه وزيّن بها جدران بيوته. امتطى «الموترسيكل» للتنقل بين مجالس القراءة في أعوام الخمسينيات، وظلّ يردد: «من قال إن وسائل العصر الحديث ممنوعة على رجال الدين»؟

أمضى عشرين عاماً في تتبع سيرة عائلته وشجرة نسبه العريقة، وهو تعويضٌ آخر عن ذلك الوضع العائلي القاسي الذي وجد نفسه فيه كطفل دون العاشرة يتيم الأبوين، ويبدو كمقطوعٍ من شجرة.

المكتبة والتدوين والاستغراق في القراءة طقس أسطوري في بيوت الخطيب العدناني الأربعة، وهي محاطةٌ بقدسية ورهبة. هدوؤه وسكوته وحلمه يتبخر إذا مسّ أحدهم ما يعتبره «قدس الأقداس»: مكتبته، حتى في غيابه يخشى أبناؤه الاقتراب منها.

المكتبة هي مكانه الأثير. هي مجلسه وساحة خلوته، ومصدر إلهامه ورزقه وسعادته. الكتب مجلّدةٌ بجلادة ذات لون واحد ومبوّبة ومصفوفة ومختومة باسمه. يكتب فقط بأقلام «الباركر» الفاخرة وأحباراً عالية الجودة. يقرأ ويدوّن ما معدله سبع ساعات في اليوم، كأنه في كل يوم على موعد مع امتحان جديد. يقرأ والمذياع مفتوح، لا يلتفت إلى أحدٍ إذا كان مستغرقاً في القراءة أو التدوين. الاستعارة ممنوعة، يكره من يطلب منه كتاباً. يرشده على اسم الدار أو يطلب منه أن يقرأه في حضوره وأمام ناظريه.

أثناء سفره وغيابه تُقفل المكتبة ولا أحد يعرف مكان مفاتيحها. لا يفرّق بين كتاب وكتاب، فكل الكتب عزيزة عليه، وكل الكتب غير قابلة للإعارة، منظّم جداً ولا كراكيب على طاولته سوى كتب المادة المبحوثة. يقرأ الكتاب الجديد في يوم واحد، يعمل مسحاً شاملاً وسريعاً على محتواه بحثاً عن ضالته والمعلومات التي يريدها فيه.

لم يراكم ثروةً عينيةً أو نقديةً في حياته. لم يوجد صندوق «التجوري»، ذلك الصندوق الحديدي الذي يعد خزينة لحفظ الأموال والذهب والمجوهرات والوثائق المهمة، في بيوته الأربعة. المكتبة هي «التجوري» التي خصّص فصلاً كاملاً عنها في وصيته، وطلب من أبنائه أن توضع في حباب العين.

في الفعالية التي أقامتها «الوسط» تبدّت شخصية العدناني رجل الدين العصري المحب للحياة والفن والثقافة المتنوعة.

عاش هادئاً وقانعاً وبسيطاً ومسترخياً وعارفاً لنفسه ومدى قدراته، مدركاً لما يريد وغارقاً في بهجة شغفه وعشقه للقراءة والتدوين والتأليف.

مرور 60 عاماً على إصدار ثلاث صحف بحرينية

829292063006

152

بقلم الدكتور منصور سرحان

يصادف هذا العام 2015، مرور ستين عاماً على إصدار ثلاث صحف محلية صدرت في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وهو عقد ازدهار حركة إصدار الصحف البحرينية، إذ بلغ عدد الصحف التي شهدها عقد الخمسينيات تسع صحف، من بينها ثلاث صحف صدرت في العام 1955، الأمر الذي يؤكد أن عقد الخمسينيات هو عقد رواج وازدهار حركة إصدار الصحف في البحرين.

تعد صحيفة «الوطن» التي صدر عددها الأول في يونيو/ حزيران من العام 1955، أول صحف ذلك العام. فقد صدرت بديلاً عن صحيفة «القافلة» التي تم إيقافها من قبل الحماية البريطانية في العام 1954، حيث اشترط لإعادة صدورها من جديد أن يتغير اسمها إلى «الوطن». وقد عانت منذ صدورها من الرقابة الشديدة، وظهرت مساحات في بعض صفحاتها بيضاء نتيجة إلغاء الرقابة كثيراً من موادها.

وصحيفة «الوطن» صحيفة أسبوعية تصدر مرتين في الشهر مؤقتاً كما ذكر ذلك في عددها الأول، وبقيت كذلك كأختها (القافلة)، وقد أنيطت إدارتها بإبراهيم المؤيد، ورأس تحريرها علي سيار، يساعده في التحرير محمود المردي. وهي صورة طبق الأصل من «القافلة» في تبويبها وتنسيقها وإخراجها ومـوادها. وكانت تطبع في مطبعة المؤيد، وتقوم مكتبة الهلال بتوزيعها. وتراوح عدد صفحاتها بين الثمان والعشر والاثنتي عشرة صفحة من الحجم الكبير، أي أن عدد صفحاتها غير ثابت، وحدد ثمن العدد بعشر آنات.

ونظراً لكون «الوطن» هي «القافلة»، فقد كتبت على الصفحة الثالثة من العدد الأول أبيات الشاعر رضي الموسوي – تجسد إصدار القافلة باسم الوطن، وقد طبعت الأبيات في مربع يتوسطه عنوان «القافلة»، والأبيات هي:

يقولون تصدر باسم الوطن

فـقلت الحسين أخوه الحسن

ستجري وتجري كــما يبتغيه

شباب فدى نفسه للوطن للوطن

نضا عنه ما حبكته الطغاة

وما نسجته أيادي الفتن الفتن

مشى في ركاب الحياة وأجرى

بتياره عـجلات الزمن

وأخمد نار دعاة الشقاق

وألحدهم بلباس الكفن الكفن

فأمسوا وقيد بما أشعلـوه

وقيحا صديدا برح عفـن

يقولون تصدر باسم الوطن

فقلت الحسين أخوه الحسن

ومن كتاب الوطن علي سيار رئيس التحرير، وعبد العزيز الشيخ علي، وبدرية خلفان، وعبد الرحمن عاشير، وحسن عيسى الخياط، ومحمود المردي، وحميد صنقور وغيرهم، كما شارك البعض بكتابة بعض المقالات والمواضيع بأسماء مستعارة أو بذكر بعض الأحرف فقط. وقد تم إيقافها من قبل سلطة الحماية البريطانية مع سائر الصحف المحلية في العام 1956 بعد أن بلغ عدد ما صدر منها 26 عدداً.

شهد شهر سبتمبر/ أيلول من العام 1955 إصدار صحيفة «الميزان» لصاحبها ومديرها المسئول عبدالله الوزان، وهي الصحيفة الثانية التي صدرت في ذلك العام. وكانت تصدر في القطع العادي للصحف الكبيرة ( 60 x 45سم) وعدد صفحاتها عشر من الحجم الكبير، ويستخدم فيها الحرف اليدوي في العناوين. وكانت تطبع في مطابع المؤيد كباقي معظم صحف البحرين.

وهي تفتقر كبقية صحف فـترة الخمسينيات، إلى التنسيق والتبويب والإخراج، فهي تقليدية الإخراج. وتضم صفحاتها الأولى في العادة أربعة مقالات، يتم ترحيل بقاياها إلى الصفحات الداخلية. وعرفت الصحيفة بوجود عمودين للأخبار تحت عنوان «حدث في أسبوع»، حيث يتم نشر الأخبار التي تم تجميعها على مدار الأسبوع.

وعالجت الصحيفة في مقالاتها القضايا القومية والوطنية، كما كانت تفعل «القافلة» ومن بعدها «الوطن»، لكنها كانت أقل حدةً منهما في نقدها ومهاجمة سلطة الحماية البريطانية. غير أنها تميزت في عرضها للقضايا الاجتماعية بصراحة مما لا نجده في بقية صحف الخمسينيات، وقد جسد باب «مناظر مؤلمة» بعض تلك الانتقادات.

وعملت الصحيفة على مهاجمة الاستعمار البريطاني متخذة من قضية فلسطين مدخلاً لها، كما جاء ذلك في المقالة التي تم نشرها في العدد 11 في 9 ديسمبر/ كانون الأول من العام 1955، كما عملت على إبراز قضية الاتحاد بين الإمارات باعتباره أهم القضايا القومية في المنطقة. وهاجم رئيس تحريرها الرقابة على الصحف بنبرة حادة.

ومن الجدير ذكره أن هذه الصحيفة بالذات استقطبت أقلام الطلبة البحرينيين الذين يدرسون في الخارج أثناء عطلة الصيف. كما ساهم بعض الكتاب بأقلامهم تحت أسماء مستعارة، وهي عادة ملحوظة في صحافة الخمسينيات. واحتجبت الصحيفة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1956، بعد أن أوقفت السلطة الاستعمارية جميع الصحف، وبلغ عدد ما صدر منها خمسين عدداً تقريباً.

أما الصحيفة الثالثة التي صدرت في العام 1955، فهي «جريدة الخليج»، وهي صحيفة أسبوعية كانت تصدر باللغتين العربية والانجليزية. وكانت صحيفة مشتبهاً في أمرها إذ كانت تابعة لجريدة Daily Mail البريطانية، لذلك لم يرض عنها الشعب، ما تسبب في إحراق مطبعتها ومكاتبها في غضبة الشعب العام 1956، ولا نعرف عنها شيئاً حيث أن جميع نسخها مفقودة تماماً.

وقد أكد الصحافي المخضرم علي سيار في مقابلة له مع كاتب المقال بأن «جريدة الخليج» صدرت في العام 1955 وتوقفت في العام 1956، وأنه عمل بها يوماً واحداً فقط عندما تم إيقاف جريدته «الوطن» مع بقية الصحف الوطنية الأخرى، وكتب مقالة فيها، إلا أن وضعها لم يعجبه فتركها. كما يؤكد أنها أحرقت وكان هذا سبب توقفها.

صحيفة الوسط البحرينية –  الأحد 14 يونيو 2015م

اليتيم الباحث عن الدفء

جانب من حفل التكريم الذي اقامته الوسط

جانب من حفل التكريم الذي اقامته الوسط

بقلم قاسم حسين

احتضنت «الوسط» السبت الماضي (5 يونيو/ حزيران2015)، احتفالية بالخطيب العدناني، السيد محمد صالح السيد عدنان الموسوي، الذي رحل عن دنيانا العام 2007، عن 88 عاماً.

والده صاحب السجل الشهير الخاص بالأوقاف الجعفرية في البحرين، الذي وثق فيه الأراضي التابعة لهذه الدائرة التي أنشئت مع بدايات تأسيس الدولة الحديثة، والتي لا تزال حوالي 800 أرض منها لم يتم تسجيلها رسمياً. والمبهر في عمله، إلى جانب توثيق الأراضي الوقفية للأجيال، أنه أنجزه خلال عام واحد فقط، كما أشار رئيس التحرير منصور الجمري في كلمته الافتتاحية، متنقلاً على حمار في الأربعينيات بين مناطق البحرين وقراها، قبل أن تُشقّ الطرق المعبّدة وتنتشر السيارات.

مؤسّس الأوقاف رحل سريعاً، عن 44 عاماً، مخلّفاً طفلاً وحيداً في العاشرة، سبق أن فقد أمه في شهره الثاني. وتبدأ سيرته بذهابه إلى الهند للدراسة في جامعة لكنهاو، حيث كان الأمل بأن يعود قاضياً، لكنه بعد تخرجه رفض تسنّم المنصب، خوفاً وتحرزاً على نفسه من القضاء، يحدوه الحديث المأثور: «القضاة ثلاثة، قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة»، ولإيمانه العميق بأن «القاضي لا يأمن على نفسه»، وقد كسب نفسه.

قاسم حسينوهكذا سلك درباً آخر، مأموناً، فلزم الشيخ عبدالحسين الحلي، وأتمّ دراسته الدينية، وتوجّه إلى الخطابة، حيث تتلمذ بالحضور المباشر في مجالس الخطيب الحسيني محمد علي حميدان، في مأتم مدن بقلب العاصمة المنامة. واستمر يرتقي المنبر الحسيني ستين عاماً في مختلف مناطق البحرين، التي جاس خلالها أبوه ليوثّق أوقافها قبل ثمانين عاماً.

في هذه الاحتفالية، عرضت مكتبه الصغير: طاولة متوسطة، عليها الأقلام والمحابر القديمة، وبعض الملفات التي تحوي قصاصات جمعها لمقابلات ومقالات ومواضيع نُشرت له في المجلات والصحف. كما عُرضت خزانة كتب حوت صفوفاً من مؤلفاته، في مجالات شتى، تنم عن تنوع اهتماماته، ربما يغلب عليها شعر الرثاء الديني بفضل الاختصاص.

هذا القارئ النهم، المهتم كثيراً بالكتاب، جمعاً ونشراً، الذي عُرف بعزلته شبه الاختيارية في عالمه الخاص، كان يدوّن يومياته باهتمام، بما فيها فترة أحداث التسعينيات، التي بدا بعيداً عنها، والتي ستكون جزءًا مهما من حركة تدوين تاريخ البلاد.

كان كثيراً ما تراودني الرغبة بسؤال أحدٍ من أنجاله، حيث تربطني ببعضهم معرفةٌ وودٌّ، عن سرّ زواجه بأربع نساء، ما يفرض الانتقال يومياً بين مناطق مختلفة. واكتشفت الجواب في تلك الصباحية الجميلة التي جمعت عدداً كبيراً من بناته وأبنائه وأحفاده: إنه اليتم. لقد حُرم من أمّه ولما يُفطم، ومن أبيه ولما يبلغ الحلم. ولك أن تتخيّله صبياً وحيداً، معزولاً، محروماً من الحنان الذي يترشّفه الإنسان من الدائرة الأولى من الأقارب: الأبوين. وظلّ يذكر أباه بدموعه –كما قال أحد بنيه- وزادت دموعُه عندما تقدّمَ به العمر.

هذا هو سرّه إذاً، بحثاً عن الدفء، وتعويضاً عن الحنان المفقود، وعن العائلة التي شتّت الموتُ شملها مبكراً، حاول العدناني أن يؤسس أربع عوائل، بأكلافها والتزاماتها ومسئولياتها. لقد عوّضه الهن وبارك له في ذريته التي بلغ أفرادها 34، نصفهم من الذكور ونصفهم من الإناث، كثيرٌ منهم من النابهين العاملين في أعمال ومهن ومجالات مختلفة، وكثيرٌ منهم تلمّسوا خطى أبيهم فتغرّبوا في طلب العلم في بلدان أخرى. وكان يشيعهم ببيت شعر حفظوه ليكون لهم أنساً وسلوى:

ونيلُ العلمِ جوعٌ واغترابٌ وبِلغَةٌ…وصحبةُ أُستاذٍ وطولُ زمانِ

في وصيته التي تحتاجها كل أسرةٍ عربيةٍ، وتستحق أن يعلّقها أبناؤها وبناته في صدر بيوتهم وصيةً كريمةً للأبناء والأحفاد، هذان البيتان من الشعر الأبوي الرقيق:

بني بعدي لا أريد عبادةً

عني ولا حجاً ولا تتصدقوا

منكم أريد مودّةً ومحبةً

(لبعضكم) بعدي… ولا تتفرقوا.

ورأيناها رأي العين، تلك المحبة بين الأبناء والبنات من أمهات شتى، وهي ثمرة التربية على قيم التسامح والمحبة والانفتاح.

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4661 – الجمعة 12 يونيو 2015م

الهجرة نحو المركز: المركزية ونشأة الأسواق التخصصية

120

بقلم حسين محمد حسين 

منذ فجر التاريخ، وعلى مر العصور، تكونت على جزر البحرين عدة حضارات، وتميزت عدد من المناطق، كموقع قلعة البحرين ما حولها، كونها الموقع المركز الذي يضم الأبنية الإدارية وموقع التبادل التجاري، وخصوصاً، مع الجهات الخارجية. وهذا يعني، أن الحضارة ليست طارئة على المجتمع البحريني. فعلى سبيل المثال، لا يعتبر ظهور مدينة المنامة، العاصمة الحالية، حالة استثنائية في البحرين، بوصفها المدينة المركزية، بل هي استمرارية لنظام معين، وتكرار لنموذج كان سائداً في البحرين القديمة عبر العصور. أي أن هناك عدة نماذج لتكون مركزية تعاقبت في البحرين عبر الحقب التاريخية، ولكل نموذج خصوصية معينة، ولكن هناك عناصر مشتركة بين تلك النماذج. ويبقى السؤال، أين هي تلك النماذج؟

حسين محمد حسينللتعرف على هذه النماذج، نحتاج لمراجعة كل نتائج الدراسات الآثارية التي تخص البحرين، ومطابقتها مع ما تم توثيقه من تاريخ سردي. ولا يمكننا، بأي حال من الأحوال، اعتماد المصادر التاريخية السردية فقط، ومن يفعل ذلك يخرج بنتائج قد لا تتطابق مع الواقع التاريخي الذي يرجحه الآثاريون. على سبيل المثال، Fuccaro، في كتابها عن تاريخ المنامة تتبعت المصادر التاريخية للبحث عن المركزيات التي نشأت في البحرين، فوثقت روايات تشير إلى أن البلاد القديم كانت في السابق المنطقة المركزية، وأطلقت عليها، في كتابها، مسمى عاصمة البحرين في الحقبة الصفوية (Fuccaro 2009، p. 18). وأشارت، إلى أن هذه العاصمة تتمركز في الريف الذي قوامه البحارنة المزارعين، وهو وسط مغاير للوسط الحضري الذي تم استحداثه عن طريق بناء المدن والذي بدأ منذ القرن التاسع عشر الميلادي (Fuccaro 2009، pp. 24-31).

كذلك، ترى Fuccaro، أن المنامة نشأت بسبب هجرة جماعات عرقية مختلفة، ومن طبقات مختلفة (Fuccaro 2009 ،p. 28). وبدأت هذه الجماعات تمارس المهن التجارية المختلفة، وبدأ نشاطها يتمركز حول المباني الإدارية التي أنشأت في المنامة في بداية القرن التاسع عشر. وأخذت تلك المحلات بالتطور لتتحول إلى عددٍ من الأسواق التخصصية. ومن الأسواق التي اشتهرت منذ القدم، ولها ذكر منذ القرن التاسع عشر، هي سوق الطواويش (أي سوق بيع اللؤلؤ)، وكان بالقرب من هذه السوق محلات متخصصة في ثقب اللؤلؤ (عملية الخراق). كذلك اشتهرت تلك الأسواق المتخصصة في الحرف المحلية والتي، وإن لم يعد لها وجود، فإن أسماءها ارتبطت بأسماء الأماكن، كسوق الحدادة وسوق الحطب الذي تباع فيه سعف النخيل وغيرها، وأماكن هذه الأسواق مازالت تعرف بهذه الأسماء (Fuccaro 2009 ،pp. 84-85).

المركزية والنموذج المستنسخ

على رغم أن دراسة Fuccaro ظهرت في العام 2009م، بعد أن تم نشر العديد من نتائج الدراسات الآثارية والتي تمكننا نتائجها من وضع نظرية حول تطور مدن مركزية أو مراكز تجارية متطورة نشأت في حقب سابقة لنشأة المنامة، وأن نظام المدن المركزية كان له وجود عريق في البحرين؛ بمعنى، أن النموذج الذي رسمته Fuccaro لنشوء سوق تجارية متنوعة حول المراكز الإدارية في الدولة ليس بالجديد على سكان البحرين، وهناك العديد من الدلائل التي ترجح ذلك. حيث تشير نتائج التنقيب الآثارية، للبعثة البريطانية (Insoll 2005)، والتي أجريت في المناطق المحيطة بمسجد الخميس، إلى وجود مدينة مركزية نشأت في هذا الموقع منذ القرن التاسع الميلادي. وتشير النتائج كذلك لوجود تعدد وتنوع في الحرف والمهن والصناعات التي ظهرت في هذه المدينة القديمة، منذ القرن التاسع الميلادي، ما يرجح أن هذه المدينة ربما كانت عاصمة البحرين في تلك الحقبة. كذلك، فإن صحت الترجيحات حول بناء مسجد في موقع مسجد الخميس الحالي، وذلك في القرن الحادي عشر الميلادي (راجع كتابنا مسجد الخميس لمزيد من التفاصيل)، فهذا يعني استمرارية هذه المدينة في كونها المدينة المركز، وربما كانت هناك هجرة للعديد من الأيدي العاملة لها؛ ما أدى لنشأة طبقات تخصصية مختلفة من التجار والعمال، وهذا ما تؤكد عليه نتائج التنقيبات في هذا الموقع وما حوله.

كذلك فإن نتائج التنقيب الآثارية، لبعثات التنقيب البريطانية (Insoll 2005)، والدنماركية (Frifelt 2001)، والفرنسية (Kervran et. al. 2005)، ترجح أنه بنهاية القرن الثاني عشر ظهرت مدينة مركزية تجارية جديدة، وذلك في المنطقة المحصورة ما بين ساحل منطقة القلعة والحدود الجنوبية لقرية حلة العبد الصالح. وتؤكد نتائج البعثة البريطانية وجود هجرات من المنطقة المركزية القديمة للمدينة الجديدة، إلا أن قلة الدراسات الآثارية في هذه المواقع لا تعطينا صورة واضحة عن نموذج المدينة المركزية التي استقطبت الأيدي العاملة وكيفية تكون سوق مركزية متنوعة فيها.

البلد القديم والأحياء التخصصية

لم تستمر المدينة الجديدة، التي بنيت في موقع القلعة، فترة طويلة، فسرعان ما تحول موقعها لميدان للحروب الطاحنة؛ فقد هُجرت المدينة وبني فوق جزء من أطلالها قلعة، وتحول الموقع لثكنة عسكرية. بالمقابل، بقي مسجد الخميس، في البلد القديم، مركزاً لقاضي القضاة، وبقيت المنطقة تستقطب المهاجرين من شتى الطبقات، رجال الدين، والتجار والعمال. ومثل هذا الالتفاف حول المركز يؤدي لقيام الأسواق المركزية المتخصصة والتي تحيط بالمركز. ربما لا نمتلك آثاراً واضحة على وجود تلك الأسواق، ولكن عندما نستقرئ أسماء المناطق التي تحيط بالمنطقة التي بها مسجد الخميس، يمكننا أن نجد أسماء لأحياء تخصصية في مهن معينة.

يذكر، أن جميع المناطق المحيطة بمسجد الخميس كانت تعمل بصورة تعاونية وكلها كانت تمثل بلدة مركزية، وإن اختلفت المسميات، جدحفص في الشمال، البلاد القديم في الجنوب، البرهامة في الشرق، طشان والمصلى في الغرب. كل منطقة من هذه المناطق تحمل جزءاً من الحضرية، وكلها تكمل بعضها البعض. فمثلما نشأت في المنامة أسواق متخصصة، كانت هناك أحياء متخصصة في هذه المناطق أيضاً، ولكن لم يبقَ منها إلا بعض أسمائها. فلو نظرنا، على سبيل المثال، لأسماء الأحياء في جدحفص، لوجدت أن عدداً منها يدل على التخصصية، مثل المحاسنية (الحلاقين)، والبناية وغيرها. مثل هذه الأحياء ربما كانت منتشرة كأسواق في الماضي لكنها اندثرت ومسحت من الذاكرة الشعبية.

لحسن الحظ، أن هناك مواقع مازالت مشهورة وتدل على وجود أحياء متخصصة كانت منتشرة في المناطق المحيطة بمسجد الخميس، على سبيل المثال، المصلى التي كانت موقع مصلى العيدين، والتي تحولت لاحقاً إلى قرية. وجود عين القصارين، والتي على مدى أكثر من ثمانية قرون كانت موقعاً للقصارين (سنتناولها بالتفصيل في حلقة مستقلة). كذلك، مازال يوجد ذكر لحي قديم يوجد غرب مسجد الخميس، والذي أطلق عليه البعض مسمى قرية، إنه حي الصفافير، الذي لم يعد له وجود. هذا وقد ذكر المبارك في كتابه «حاضر البحرين» قرية الصفافير وقال عنها «صَفَافِير كمصابيح على الشارع الرئيسي المار إلى عوالي غرباً عن الخميس وطشان، وفيها معامل ونخل وزروع، وسميت بذلك لأن فيها محطة تصفير النحاس» (لمبارك 2004، ص41). ولا يعرف موقع هذا الحي بالتحديد إلا أنه كان يقع على شارع عذاري، وكان يمر بالقرب منه ساب عذاري (بشمي 2000، ص 31)

الخلاصة، أن البحرين، ومن زمن بعيد، عرفت المدن المركزية، أو بأقل تقدير، المناطق المركزية التي بها مراكز إدارية للدولة. وحول هذه المراكز، سواء كانت ذات طابع ديني أو سياسي، تكونت أسواق تجارية متنوعة ومتخصصة، وبسبب قلة الاهتمام بالتنقيب في الآثار الإسلامية، فقد ضاع العديد منها، والنتائج المستوحاة من هذه التنقيبات لا تساعد كثيراً في بناء نموذج المدينة المركزية الذي يرجح أنه كان سائداً في الحقب القديمة. غير أن ما تبقى من آثار، ومن أسماء تحمل دلالات، تشير بوضوح لوجود أسواق مركزية متنوعة ومتخصصة تحيط بالمراكز الإدارية في الدولة. وقد تناولنا بعضاً من هذه المسميات، وفي حلقات قادمة سنشير لمسميات ودلائل أخرى.

صحيفة الوسط البحرينية – العدد 4662 – السبت 13 يونيو 2015م

عن التصوف الشيعي في البحرين

d (1)

بقلم وسام السبع
صحيفة الوسط البحرينية – الثلثاء 02 يونيو 2015م

كان ظهور التصوف في المجتمع الإسلامي من أبرز خصائص القرن السابع الهجري، الذي انهارت فيه الخلافة العباسية بعد حكم طويل في التاريخ الإسلامي، وظهور طبقة اجتماعية عرفت بـ «المتصوّفة»، وعُرف أصحابها كطبقة علميّة بـ «العرفاء». وكان من أعلام التصوف حينها عمر بن الفارض (ت 633هـ/ 1236م)، ومحيي الدين ابن العربي (ت 637هـ/ 1240م)، وجلال الدين الرومي (ت 670هـ/ 1272م). وقد جاء ظهورهم كردّ فعل مباشر لحالة اليأس الذي عمّ العالم الإسلامي بانقراض الخلافة الإسلامية.

ولقد سافر التصوّف كاتجاه فكري ومنحى أخلاقي وسلوكي، وامتزج بالثقافة الإسلامية والعربية، وكان من الطبيعي أن تتأثر البحرين به. ويمثل الرعيل الأول من عرفاء البحرين في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) الشيخ أحمد بن سعيد بن سعادة البحرانيّ، الذي وضع «رسالة في العلم» التي شرحها الفيلسوف الكبير نصير الدين الطوسي (ت 672هـ/ 1274م)؛ إذ يُظهر ابن سعادة في رسالته اهتماماً بمناقشة قضايا الحكمة وعلم الكلام، ومن المعروف أن الحكمة بشقيها العلمي والعملي وثيقة الصلة بالعرفان والتصوف. وللشيخ علي بن سليمان الستري كتاب «الإشارات في الكلام والحكمة»، شرحه تلميذه ابن ميثم البحراني.

4519698وفي نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) ظهرت رموز شيعية متصوفة، لا نعلم عددها ومدى انتشارها، ويُرجع جان كول في بحثه عن الشيعة الإمامية في البحرين (1300 – 1800م) أنه في تلك الحقبة كانت أعداد الرموز الدينية الشيعية غير المتصوفة أكثر بكثير من الأقطاب، وهم قيادات المجموعات الصوفية. إلاّ أن النقوش التي عثر عليها في البحرين والتي يعود تاريخها لنهاية القرنين الثامن والتاسع (الرابع عشر والخامس عشر الميلادي)، تشير إلى أن الشيعة المتصوفة في البحرين تبوأوا مكانةً كبيرةً ربما وصلت لاستلامهم دفة الحكم. (حسين محمد حسين، «مسجد الخميس»، ص 68)

وقد لاحَظَت بعضُ الدراسات الأجنبية التي عكفت على دراسة النقوش الإسلامية في البحرين ظهور لقب «السيد» و»الشريف»، متزامناً مع فترة ظهور الجماعات الشيعية المتصوفة، التي تزامنت بدورها مع الهجرة الهاشمية للسادة العلويين الشيعة من حضرموت إلى مناطق مختلفة من العالم، ومنها البحرين.

وقد تم العثور على عددٍ من القبور نقش عليها ألقاب خاصة بالجماعات الصوفية، وكان مما يميز تلك النقوش وجود مصطلحات درجت عليها الجماعات الشيعية المتصوفة من قبيل: «قطب، قطب الدائرة، المعلم، المعلم الأعظم، قدوة».

ومع وصول الصفويين إلى سدّة الحكم في إيران، والذين كانوا في الأساس فرقةً صوفيةً، قُدّر للتصوف والعرفان أن يعيش اندفاعة جديدة وهائلة، وصلت تردداتها الفكرية والروحيّة إلى إقليم البحرين، وقد ساهم النفوذ السياسي الفارسيّ في المنطقة في نقل الكثير من الأفكار الثقافية والأعراف والمسلكيات الاجتماعية خصوصاً لدى طبقة المشتغلين بالعلوم الدينية.

ولعل الشيخ سليمان الماحوزي (ت 1121هـ/ 1709م) يمثل أحدّ أبرز العلماء الذين كان لديهم مشرب عرفاني واضح، ويحفل كشكوله «أزهار الرياض» بالكثير من المقتطفات التي تعكس هذا الميل من خلال الكمّ الهائل من الشواهد الشعرية والأدبية التي يوردها حول الصوفية، باللغتين العربية والفارسية، ناهيك عن المصادر والكتب التي ينقل عنها وتُعد من أمّهات مصادر التراث الصوفي. ويتجاوز الأمر حدود الوقوف على أدبيات ومنابع الفكر الصوفي؛ فشعره الكثير المبثوث في كشكوله يعكس ذوقاً عرفانياً يظهر فيه الشيخ الماحوزي شفافية روحيّة عالية ونزعة انعزالية ظاهرة. ومن شعره الذي تظهر فيه ملامح ميل عرفاني:

إلهي بحار الجود منك رواشح

تفيض على الطلاب يا مفزع الشكوى

أرى الكل عاموا في عطاياك جهرةً

فما لي في اللأواء مرتمساً رهوا

أجلك عن تعذيب نفس تولّهت

بذكرك يا كنز الوجود ولا غروا

ولقد وضع الصوفية، أو وضعتهم السياقات الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات الإسلامية، في مقابل الفقهاء، ويرى الفقهاء أن هناك وراء الشرعية (الأحكام والمقررات الإسلامية) مجموعة من المصالح هي بمنزلة العلل وروح الشريعة، وأن العمل بالشريعة هو السبيل الوحيد لنيل تلك المصالح. أما العرفاء فيرون أن المصالح والحقائق الكامنة في تشريع الأحكام هي من نوع المنازل والمراحل التي توصل الإنسان إلى مقام القرب الإلهي وبلوغ الحقيقة، ويرون أن باطن الشريعة هو «الحقيقة»؛ أي التوحيد الذي يحصل عليه العارف بعد فناء ذاته وتجرده عن أنانيته، وبذلك فإن العارف يعتقد بثلاثة أشياء هي: الشريعة والطريقة والحقيقة؛ وأن الشريعة وسيلة الطريقة، وأن الطريقة وسيلة إلى الحقيقة.

وكان للشيخ يوسف البحراني (ت 1186هـ/ 1772م) موقف مناوئ لهذا الاتجاه، فقد وجّه في كتابه «النفحات الملكوتية في الرد على الصوفية»، نقداً لاذعاً لهم، فقد «ذكر فيه جملة من ترهاتهم وشطراً من خرافاتهم وعَدَّ منهم المولى محسن الكاشاني ونقل عنه مقالات قبيحة وعقائد غير مليحة وردها». وكان من أوائل من سارع في ردّ هذه التهمة عن الفيض الكاشاني الشيخ عبد الله السماهيجي؛ إذ كتب يقول: «وكان هذا الشيخ فاضلاً، علامة محققاً، مدققاً، محدثاً، صالحاً، ثقةً، طُعن عليه بالتصوف، وهو بريء منه، فإن كتبه تشهد بخلافه، لاسيما الكلمات الطريفة. نعم له في بعض تصانيفه كأصول الكافي وغيره كلمات دقيقة، وعبارات عميقة، ولا ينبغي حملها إلاّ على حسن الظن به».

وكان من رموز هذه الاتجاه العلمي والمساهمين فيه في البحرين الشيخ محمد بن أبي جمهور الأحسائي (كان حياً 906هـ/ 1501م) حيث أقام في البحرين فترة تقارب السنتين بين عامي (886 – 888هـ/ 1481 – 1483م)، وصنّف خلالها رسالته «البوارق المحسنية تجلي الدرة الجمهورية» الذي أملاه إلى عدد من طلابه، وهو ردّ على مناوئيه ومعارضيه ممن يقول بعدم لزوم وجود المجتهد الحي، وجواز تقليد الفقيه الميت، ولكن بلغة عرفانية أخلاقية ومعالجة اجتماعية، حيث كان مركز قوتهم وتواجدهم في البحرين.

ومن شخصيات هذا الاتجاه الشيخ علي بن أحمد بن عبد السلام البحراني (ت 1120هـ/ 1708م)، يقول الشيخ ياسين البلادي في رجاله: «وأنا لحقت زمانه ووقت تدريسه، وكان من الفضلاء المعاصرين، غلب عليه الحكمة والعرفان كأبيه، وفي سنة 1109هـ/ 1698م رحل إلى أصفهان فصار له مكاناً عليّاً بين علماء الأعيان، له كتاب في الحكمة». (العصفوري: الذخائر، ص 111).

على أن التصوف والاتجاه العرفاني الذي سلكه عرفاء التشيع بعد القرن العاشر الهجري لا يعني بالضرورة انخراط أصحابه في سلك كبرى الطرق والجماعات الصوفية، إذ حدث وأن تخصص البعض في العرفان النظري الذي شاده ابن عربي على رغم عدم انتسابه إلى أيّ واحدة من سلاسل التصوف. فمثلا؛ إن صدر المتألهين (ت 1050هـ/ 1640م)، وتلميذه الفيض الكاشاني (ت 1091هـ/ 1680م)، لم ينتسبوا إلى أي واحدة من سلاسل التصوف، إلا أنهم أكثر استيعاباً لعرفان ابن عربي النظري ممن عاصرهم من أقطاب المتصوفة، وقد استمر الوضع على هذا المنوال حتى عصرنا الحاضر كما يقول مرتضى مطهري (اغتيل 1979م).

وبشكل عام، منذ أن أقيمت أسس العرفان النظري في عصر ابن عربي كان للعرفان طابع فلسفي، إلاّ أنه بعد ذلك انفصمت عرى هذا الكيان؛ إذ تجد أكثر المتخصصين في العرفان النظري في القرن العاشر لم يكونوا من أهل العرفان العملي والسير والسلوك والطريقة، وإذا كانوا من أهله فإنهم لم ينتسبوا رسمياً إلى أي واحدة من سلاسل الصوفية المعروفة. ليس هذا فحسب، بل ربما لم يحفلوا بها وعارضوها وأبطلوها جملةً أو تفصيلا.

ومن خصائص هذه الجماعة التي هي من أهل الفقاهة أيضاً، أنها لاءمت ووافقت بين آداب السلوك وآداب الفقه. وإلى هذه الفئة ينتمي جُلّ من عُرف بالتصوف من علماء البحرين، بدءًا من القرن السابع الهجري حتى مطلع القرن الرابع عشر الهجري. إلاّ أن الموضوع يفتح باباً واسعاً أمام الباحثين ليقدّموا قراءات أكثر دقةً وشموليةً عن واقع التصوف في البحرين، وأبرز من عُرف بهذا المشرب، والملابسات التي اكتنفت الصراع الذي قاده الفقهاء في محاولاتهم مواجهة تمدده واتساعه.

مخطوطة تؤرخ نهب الكُتب أثناء الحملات العمانية على البحرين

6

بقلم الشيخ إسماعيل الكَلداري

باحث في التراث البحراني المخطوط

من المآسي التي مَرّت على علماء البحرين هو نهب كُتبهم أثناء الهجمات التي تعرضت لها جزيرة أوال، وقد وثّق الشيخ يوسف آل عصفور إحدى هذه الهجمات التي نُهبت فيها كتب والده العلامة الشيخ أحمد آل عصفور، فقال في لؤلؤة البحرين ص443 : (وفي المرة الثالثة حصروا البلد لتسليطهم على البحر ، حيث أنها جزيرة، حتى ضعفوا أهلها وفتحوها قهراً وكانت واقعة عظمى وداهية دهماء، لما وقع من عظم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء، فهربت الناس سيما أكابر البلد منها إلى القطيف وإلى غيرها من الأقطار، ومن جملتهم الوالد رحمه الله مع جملة العيال والأولاد، فإنه سافر بهم إلى القطيف، وتركني في البحرين في البيت الذي لنا في قرية الشاخورة، حيث أنّ في البيت بعض الخزائن المربوط فيها بعض الأسباب من كتب وصفر وثياب، فإنه نقل معه جملة إلى القلعة التي قصدوا الحصار فيها وأبقى بعضاً في البيت مربوطاً عليه في أماكن خفية ، فأمّا ما نقل إلى القلعة فإنه ذهب بعد أخذهم القلعة قهراً وخرجنا جميعاً بمجرد الثياب التي علينا، ولما سافر إلى القطيف بقيت أنا في البلد، وقد أمرني بالتقاط ما يوجد من الكتب التي انتهبت في القلعة واستنقاذها من أيدي الشراة، فاستنقذت جملة مما وجدته وأرسلت به إليه مع جملة ما في البيت شيئاً فشيئا).

وذكر المولى عبدالله الأفندي في الفوائد الطريفة ص476 : (ومنها –أي من شروح النهاية-  شرح أبي القاسم المحقق صاحب الشرائع، وهو المعروف بنكت النهاية وهو شرح مشهور متداول، ورأيت نسخاً عديدة منه، وكان عند الشيخ سليمان المذكور نسخة عتيقة منه، وقد تلفت في قصة نهب البحرين).

اسماعيل الكلداريوتحتفظ المكتبة الوطنية في طهران «كتابخانه ملي» بـمخطوطة لتفسير مجمع البيان تحت رقم «1836163» -كانت في يوم من الأيام في خزانة أحد كبار علماء البحرين- قدر الله لها أن تبقى لتبين لنا فصلاً آخر من فصول هذه المأساة التي تعرض لها علماء البحرين وكتبهم.

فهذه النسخة من تفسير مجمع البيان لأمين الإسلام الطبرسي «رضوان الله عليه»، نسخها «حسن بن محمد بن أحمد الأوالي» في عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستة وألف من الهجرة النبوية لخزانة «الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن علي بن حسين ابن كنبار النعيمي الأوالي».

ثم انتقلت إلى ملك حفيده «الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني» سنة 1124 هجـ -لم يُذكر في كتب التراجم-، واستعارها المحدث السماهيجي من الحفيد سنة 1125 هجـ .

ثم تعرضت إلى للنهب أثناء إحدى الحملات العمانية على البحرين، وسار بها القضاء إلى بلاد عمان واستنقذها -مع جملة أخرى من الكتب- اثنان من أهل الصلاح والتقوى هما علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم ومحمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان في سنة 1147 هجـ ، وبذلا في استنقاذه اثنان أو ثلاث عباسيات قربة إلى الله تعالى.

وقد دوّن المستنقذ الثاني -محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن عبدالحسين العمقي الصحاري- على الورقة الأولى والأخيرة من الكتاب قصة استنقاذ الكتاب من يد الغاصب، ثم كتب القيمة التي دفعاها للغاصب « بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان لأنه في جملة كتب غيره، ولا معلوم له دونهم شيء من الأثمان»،  وفي قوله « لأنه في جملة كتب غيره» إشارة إلى تعدد الكتب المنهوبة، وربما كتب أخرى من خزانة  أسرة «آل كنبار» العلمية أو غيرهم من علماء البحرين.

ثم كتب بعد ذلك: «هذا التفسير لبعض أهل البحرين، فليرد إلى مالكه، أو حاكم الشرع، فإن سلم الثمن الذي استنقذته كان المراد، وإلا فلا يمنع».

وبهذه العبارات الموجزة وثق لنا مأساة من المآسي التي تعرض لها علماء البحرين وكتبهم، فلولا ذلك لما اطلعنا على تلك القصة المأساوية التي حلت بكتب خزانة أسرة من الأسر العلمية البحرانية «أسرة آل كنبار» النعيمية.

فهذه الأسرة العلمية تعرضت لمآسي عديدة، فقد فقدت علماً من أعلامها في أحد الويلات التي جرت على جزيرة أوال، وهو الشيخ محمد بن يوسف بن علي بن كنبار الضبيري النعيمي الذي هاجر من البحرين إلى القطيف، وبقي مدة من الزمن هناك، ولكنه بسبب ضيق العيش عاد مرة أخرى إلى البحرين، فصادف رجوعه وقوع فتنة بين الخوارج وعسكر العجم أصيب فيها بجروح فاحشة فنقل إلى القطيف، وبقي فيها أياماً ثم توفي رحمه الله شهيداً في سنة 1130هـ ، كما ذكر ذلك المحدث السماهيجي في إجازته والشيخ يوسف البحراني في لؤلؤته.

والشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن كنبار النعيمي لم يُفرد بترجمة في كتب التراجم، وإنما ذُكر ضمناً في ترجمة السيد هاشم التوبلاني، قال في اللؤلؤة ص64: (وتوفي-يعني السيد هاشم- قدس سره في قرية نعيم في بيت الشيخ عبد الله بن الشيخ حسين بن علي بن كنبار؛ لأنه كان متزوجاً بمخلفة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله المذكور).

أما الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني فلم يُذكر في كتب التراجم.

ويحتمل أن يكون سنة استنقاذ الكتاب -1147هجـ- هو نفس سنة غصب الكتاب، فالشيخ يوسف البحراني يذكر في اللؤلؤة ص73 في ضمن ترجمة أستاذه الشيخ عبدالله بن علي بن أحمد البلادي أنه ورد شيراز لإصلاح أمور البحرين لما استولت عليها الأعراب وأوقعوا فيها الخراب فلم يبق إلا مدة يسيرة حتى توفي بها سنة 1148هجـ .

* * *

وإليكم نص ما هو مكتوب على الصفحات الأولى والأخيرة من المخطوطة التي تضمنت هذه الفوائد الهامة:

كتب الناسخ في خاتمتها: (هذا آخر كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن لأبي علي الطبرسي، تغمده الله برضوانه واسكنه بحبوحة جنانه، وهو آخر أجزائه العشرة بتجزئة مصنفه، ولله درّه حيث انتصر به للفرقة المحقة الإمامية الإثناعشرية، إذ كشف به القناع عن غامض كلام الله -الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- بحسب الطاقة البشرية،فلاح به ولله الحمد المذهب الحق والمعتقد الصدق من بين سائر معتقدات [الـ]فرق الإسلامية،  فليشكر الله أمة أهل الإيمان حيث أن ظفروا بمثل هذا التبيان، فليكثروا الدراية ليزدادوا في الهداية، ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين﴾، جعلنا الله من السالكين سبيل أهل السداد، والمنتظمين مع أهل الرشاد، آمين رب العالمين، تم بتوفيق الله تعالى.

قد حصل هذا الكتاب برمته من فاتحته إلى خاتمته في خزانة الشيخ الأعلم الأعمل، الورع الأكمل، خاتمة المجتهدين حقاً، وبقية المحققين صدقاً، شيخنا بل شيخ الكل في هذا الصقع المحروس والأوان، الشيخ عبدالله بن المقدس المتغمد بالعفو والرضوان شيخ حسين بن علي بن حسين الأوالي – هي دار الأمن والإيمان- أدام الله أيامه، وجعلها مقرونة بما يتمناه في الدارين، وختم له بالخير في النشأتين، نفعنا الله به، ونفعه به، ونفع به من يحب الانتفاع من بعده، خصوصاً ولده وولد ولده من بعده:

من قال آمين أبقى الله مهجته فإنّ هذا دعاء يشمل البشرا

وقد اتفق إتمام أكثر هذا الكتاب على يد فقير ربه وغريق دينه حسن بن محمد بن أحمد الموالي الأوالي، وكان آخر ذلك عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستين وألف من الهجرة النبوية صـ) . (1069).

وقد كُتب على طرتها: (قد انتقل لحيازة الشيخ البهي والمهذب السَني الشيخ محسن بن الفردوسي الشيخ علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني وهو مجلد من تفسير أبو علي الطبرسي نور الله مرقده بتاريخ شهر شوال سنة 1124).

وكتب بجانبه المحدث الشيخ عبدالله السماهيجي بخطه الشريف: (بسم الله، والحمد لله، وهو عارية عندي، وأنا الفقير الجاني عبدالله بن صالح البحراني بتاريخ  ذو القعدة 1125).

وكتب بجانبه الشيخ محسن بخطه: (في ملك محسن بن علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار) ، وهناك من شطب على هذه العبارة!!

وكتب محمد بن أحمد العمقي([1]) الصحاري الذي استنقذ الكتاب: (هذا التفسير لبعض أهل البحرين فليرد إلى مالكه أو حاكم الشرع، فإن سلم الثمن الذي استنقذته كان المراد، وإلا فلا يمنع، كتب ذلك الأقل محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن عبدالحسين العمقي الصحاري).

وعلى ظهر الصفحة الأخيرة من المخطوط أيضا ما يلي: (قد استنقذ هذا الكتاب المعروف بمجمع البيان في تفسير القرآن العبدان الفقيران الحقيران الطالبان برده على أهله رضاء ربهما الديان علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم والأقل محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان ممن غصبه من أهل أحد نواحي خورفكان([2]) بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان لأنه في جملة كتب غيره، ولا معلوم له دونهم شيء من الأثمان، حتى لا يخفى على كافة الإخوان وكل إنسان، كتبه المستنقذ الثاني بيده عصر الثالث والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة السابعة والأربعين بعد المائة والألف من هجرة سيد آل عدنان).

وكُتب في جانبه: (يدل مِن بعض [مَن] كتب في هذا الكتاب أنه ملك للشيخ الأكرم حليف المجد والافتخار الشيخ محسن بن شيخ علي بن عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي).

وكتب في وسط المخطوطات: (كتاب مجمع البيان لأهل البحرين، وربما لمحسن ابن كنبار فليرد عليه).

وكتب أيضاً: (كتاب تفسير هو مجمع البيان، لعله لمحسن ابن كنبار البحراني، فليرد إليه، إن ما استنقذناه به 3 محمديات ونصف، وإلا فلا يمنع منه).

جدول التواريخ المستفادة من المخطوطة

التاريخ الحدث
1068 هجـ انتهى حسن بن محمد بن أحمد الأوالي من نسخ الجزء التاسع من تفسير «مجمع البيان» في غرة شهر ذي الحجة سنة ثمان وستين بعد الألف.
1069 هجـ انتهى حسن بن محمد بن أحمد الأوالي من نسخ الجزء العاشر من تفسير «مجمع البيان» لخزانة العلامة الشيخ عبدالله بن الشيخ حسين بن علي بن حسين بن كنبار الأوالي في عصر يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الثاني من السنة التاسعة والستة وألف من الهجرة النبوية.
1124 هجـ انتقل الكتاب لحيازة (حفيد صاحب الخزانة) الشيخ محسن بن الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن حسين بن كنبار النعيمي البحراني بتاريخ شهر شوال سنة 1124.
1125 هجـ استعار الكتاب الشيخ عبدالله بن صالح السماهيجي.
1147 هجـ استنقذ الكتاب علي بن محمد بن علي بن عبدالكاظم ومحمد بن أحمد بن محمد بن عبدالحسين العمانيان الصحاريان ممن غصبه من أهل أحد نواحي خورفكان بمبلغ قدره تقديراً ثلاث عباسيات أو عباسيتان في عصر الثالث والعشرين من ذي الحجة الحرام سنة السابعة والأربعين بعد المائة والألف.

الصفحة الاولى من المخطوط

الصفحة الاولى من المخطوط

الصحفة قبل الاخيرة

الصحفة قبل الاخيرة

صفحات من وسط المخطوط

صفحات من وسط المخطوط

صفحات من وسط المخطوط

صفحات من وسط المخطوط

صفحات من وسط المخطوط

صفحات من وسط المخطوط

الهوامش

([1])  «عمق» إحدى قرى ولاية صحار العمانية.  

([2])  «خورفكان» هي مدينة ساحلية على شواطئ خليج عمان، تتبع إمارة الشارقة حالياً.

مرايا التراث

في تاريخ وتراث البحرين