كبــــير العجــــــم في البحــــريــــــن

Untitled

بقلم عبداالله المدني

المقصود بالعجم في عنوان المقال هم ذوو العرق الفارسي، وتحديدا أصحاب المذهب الشيعي منهم ــ دون أن يكون لكلامنا هذا أي انتقاص أو مضمون سلبي ــ وهؤلاء يشكلون جزءا لا يتجزأ من أطياف المجتمع البحريني منذ الأزل. ومن أشهر عائلات العجم في البحرين: كازروني، آل شريف، ديلمي، بلجيك، ديري، أسيري، ديواني، جواهري، إسفنديار، رويان، دشتي، أخترزاده، راستي، ترك، أديبي، فردوسي، آغا، جهرمي، غراشي، كريمي، أكبري، جعفري، فخراوي، ميرزا، تقوي، توراني، خوشابي، حاجي، أميري، منصوري، شكيب، شربتي، قناطي، رحيمي، ملك، أنصاري، وغيرهم. لكن العائلة الأشهر على الإطلاق في البحرين، وربما عموم منطقة الخليج، هي عائلة «بوشهري» التي تنحدر كما يتضح اسمها من مدينة بوشهر. والأخيرة هي عاصمة محافظة بوشهر في جنوب إيران على الساحل الشرقي للخليج العربي والتي تبلغ مساحتها حوالي 23 ألف كيلومتر مربع، ووصل عدد سكانها في عام 2011 إلى أكثر من مليون نسمة، وكانت خلال القرن 18 أهم ميناء في إقليم فارس بدليل إقامة الإنجليز وكالة سياسية لهم فيها في عام 1727، ثم قيام الهولنديين بالشيء نفسه في عام 1737، حيث كان سكانها في ذلك الوقت خليطا من الفرس والعرب السنة والعرب الشيعة والأرمن واليهود والنصارى والزرادشتيين. وقد دلت الاكتشافات أن بوشهر من الموانئ القديمة التي يرجع تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل ميلاد المسيح.

كان ميناء بوشهر يستخدم كقاعدة حربية وكمقر لإنتاج السفن الحربية في زمن نادر شاه كما كان مقرا رئيسيا لتصدير واستيراد البضائع، وبالتالي كانت من أهم الجهات المساهمة في إيرادات الدولة الفارسية من الضرائب والمكوس. أما اليوم فهو من أهم مراكز الاقتصاد الإيراني لجهة إنتاج النفط والغاز والطاقة النووية والصيد البحري والتمور.

أكثر العائلات التي تحمل لقب «بوشهري» في دول الخليج العربية تتركز في دولة الكويت وبدرجة أقل في البحرين ودولة الإمارات. ففي الكويت توجد منهم فروع كثيرة مثل أفرع محمود بوشهري، جاسم بوشهري، عبدالرسول بوشهري، كاظم بوشهري، ماشاء الله بوشهري، حبيب بوشهري، عبدالكريم بوشهري، ورمضان بوشهري. وينحدر من هؤلاء شخصيات كويتية معروفة مثل الوزير السابق عبدالعزيز بوشهري، والوكيل المساعد في وزارة الكهرباء والماء المهندس محمد بوشهري، التاجر جواد بوشهري، التاجر أمير بوشهري، ورجل الأعمال جواد كاظم بوشهري، إضافة إلى التاجر علي بوشهري المقيم في فرنسا وعدد من الفنانين والفنانات.

وطبقا للموقع الإلكتروني لتاريخ الكويت فإن آل بوشهري في الكويت يرتبطون بمصاهرات مع عائلات كويتية كثيرة مثل معرفي، قبازرد، الكوت، ابوالحسن، الوزان، النقي، الهزيم، فرج بهبهاني، دشتي، ششتري، الغريب، جوهر حياه، ابل، بن نخي، صفر، عابدين، شهاب، البلوشي، كاكولي، الموسوي، نوشاد، الباذر، السالم، والتميمي.

ولعل من أبرز أعلامهم المثقفة اليوم في البحرين المؤرخ المعروف الصديق علي أكبر بوشهري الذي هاجرت عائلته إلى البحرين في عام 1860. وفي حديث له مع إحدى الصحف المحلية يؤرخ بوشهري لتواجد العجم في البحرين بالعام 1828، لكنه لا ينفي عدم تواجدهم قبل ذلك التاريخ معولا على حقيقة أنه قبل «سنة 1782 كان حاكم البحرين هو نفسه حاكم بوشهر، وكان يدعو إلى زيادة الهجرات المتبادلة بين الطرفين». ويضيف شارحا أن عجم البحرين جاؤوا على شكل جماعات، وليسوا على شكل عرق، في فترات تاريخية مختلفة واستوطنوا البحرين وأحبوها وكونوا فرجانا ومآتم ومؤسسات واندمجوا في مجتمعاتهم الجديدة في المنامة والمحرق. ثم يقول إن عددهم في عام 1905 ــ طبقا لأوثق إحصاء ــ كان 1650، لكنهم يشكلون اليوم ــ وفقا لتقديراته الشخصية ــ نحو 20 بالمائة من إجمالي سكان البحرين أي نحو مائة ألف نسمة. وطبقا لمرويات أخرى على لسان وجهاء العجم المسنين في البحرين فإن العجم تركوا ديارهم وهاجروا إلى الساحل العربي للخليج طلبا للرزق أحيانا وهربا من السياسة في أحايين أخرى، ولأن المسافة بين بوشهر والبحرين هي الأقصر، حيث لا تزيد عن 18 ساعة إبحار بالمراكب، كانت هناك هجرات قبل الحرب العالمية الثانية، وتحديدا ما بين عامي 1920 و1940.

ويفتخر علي أكبر بوشهري بهويته البحرينية فيقول: «منذ أن ولدنا هنا لم نفكر يوما بالانتماء إلى إيران. التمسك بالأصل والثقافة دائما موجود، لكن لم تكن لنا رغبة في الانتماء إلى دولة إيران. نحن نعتبر أنفسنا بحرينيين. نحن تناسلنا جيلا وراء جيل هنا، وأنا أعد من الجيل الرابع. عملنا هنا.. تزوجنا هنا.. حلالنا هنا».

وعن موقف عجم البحرين في عام 1970 يوم أن جاءت البعثة الأممية لتقصي الحقائق حول مستقبل البحرين بعد انتهاء معاهدة الحماية البريطانية يشرح علي أكبر بوشهري قائلا: «سنة 70 لم يكن في البحرين جمعيات سياسية ولا نقابات عمالية. الأمم المتحدة أرادت أخذ رأي الشعب، فوجدت أن الجهة الوحيدة الموجودة في البحرين والتي تتشكل وفق انتخابات هي النوادي. كانت للعجم وقتذاك أربع أندية هي: الفردوسي، التاج، الاتفاق، والشعاع. جميعها اختارت أن تكون البحرين دولة مستقلة. واحدة فقط أضافت ــ نحن نريد أن نعرف ماذا ستكون مكانتنا في هذه الدولة ــ كان ذلك هو التحفظ الوحيد، لكن الكل صوّت على الاستقلال».

ويعتبر المرحوم «علي كاظم بوشهري» هو عميد عائلة بوشهري في البحرين، بل شيخ العجم كلهم. ولتسليط الضوء على هذه الشخصية وتاريخها التجاري والاجتماعي ومساهماته في العمل الخيري وعلاقاته مع أقرانه البحرينيين نستعين بدراسة منشورة للصديق المؤرخ الأستاذ عبدالله آل سيف، ونقتبس منها.

اسمه الكامل هو علي كاظم جعفر عبدالرحيم محمد رضا محمد ملك قيوم طالب قطب الدين علي فرومه منير، علما بأن «فرومه» مفردة معناها الفقير إلى الله تعالى، وأنّ طالب قطب الدين كان صوفي المعتقد، مما يعني ان أسرة بوشهري ذات توجه ديني، صوفي.

والذين عاصروا الرجل يجمعون على أنه كان عصاميا فذا. إذ جاء إلى البحرين في سن الستين وهو فقير معدم، لكن بطموحات كبيرة. وفي غضون سنوات قليلة استطاع بجهده وصبره وكسب ثقة الناس فيه أن يكوّن ثروة ضخمة أنفق جزءا منها على أعمال الخير وإقامة الشعائر الدينية والحسينية. وكان مجيئه في عام 1860 أي في زمن لم تكن منافذ البحرين قد عرفت بعد الجوازات وإجراءات الهجرة، واستأجر في بادئ الأمر سكنا متواضعا في فريج الفاضل في المكان الذي تشغله اليوم مدرسة عائشة أم المؤمنين، وكان مبنى المدرسة وقتذاك من أملاك «ناصر بن جمعة بوشهري». ثم راح الرجل يسعى وراء الكسب الحلال فعمل أولا كعامل بناء في فرضة المنامة، ثم أتبعه بالعمل كمزود للخبز والحلوى والماء للعاملين في قطاع الإنشاءات والمباني والورش في مقار عملهم اليومي في فرجان الفاضل والحورة والقضيبية وسواها. وبعد ثماني سنوات من العمل الشاق تجمع لديه بعض المال الذي استثمر جزءا منه في شراء منزله الخاص وكان عبارة عن «برستي» في فريج الفاضل. والمعروف أن البرستيات كانت هي البيوت التي يسكنها معظم رجالات وأسر ذلك الزمن، فيما عدا بيت ناصر بن جمعة بوشهري الذي كان مبنيا من الحجر. أما الجزء الآخر من الأموال التي ادخرها فقد استثمرها في التجارة بسبب عشقه لهذا المجال منذ أن كان طفلا.

وهكذا لم ينتصف عام 1872 إلا وعلي كاظم يفتح دكانا له في سوق العجم، يبيع فيه المواد الغذائية والاستهلاكية التي كان يجلبها من بوشهر وشيراز وكراتشي وبمبي ومسقط ودبي والدوحة والكويت والقطيف. ولأنه كان أميا فقد لجأ في مراسلاته التجارية وحساباته إلى كتبة من الهنود.

ويقول عبدالله آل سيف: «كان علي كاظم بوشهري مولعا بشراء العقارات، فما أن يتوفر لديه مبلغ من المال حتى يقوم بشراء عقار، خصوصا وأن العقارات آنذاك كانت برخص التراب». لذا بلغ عدد عقاراته في عام 1921 نحو 35 عقارا ما بين بيت ودكان وعمارة موزعا على سوق المنامة وفرجان «لكي» و»المشبر» و»أبوصرة».

والملاحظ أن بوشهري ــ طبقا لآل سيف ــ لم يوظف أمواله في شراء البساتين والمزارع لسببين أولهما قلة المردود المادي لهذا النوع من الاستثمار، وثانيهما هو عدم رغبته في استملاك الأراضي الزراعية لأنها كانت وقتذاك مظهرا من مظاهر الجاه والثروة الماثلة للعيان. على أن ورثته راحوا يستملكون الأراضي الزراعية، ومنها بستان يقع على مدخل عذاري من الغرب.

عـُرف عن علي كاظم التدين، وعمل الخير، وحسن المعشر، وسماحة الأخلاق، وإقراض الآخر بالمال وفق الأساليب المتبعة في البحرين في بدايات القرن العشرين، حينما لم تكن هناك مصارف للاقتراض، أي إرجاع أصل القرض مضافا إليه فائدة بنسبة 10 بالمائة خلال فترة ستة أشهر. كما عــُرف عنه علاقاته الطيبة مع أقرانه من تجار البحرين، وكراهيته للجاه والبهرجة بدليل أنه ظل طوال حياته يرتدي ملابس متواضعة مكونة من عمامة و»دقلة» خفيفة ونعال فارسي معكوف.

ومن آثاره قيامه في عام 1881 ببناء ثاني مأتم في البحرين على أرض صغيرة مجاورة لمأتم بن رجب، ونعني بذلك مأتم العجم الكبير الذي ســُمي في أول الأمر بمأتم بوشهري. ذلك أن شيعة البحرين اعتادوا على إقامة مجالسهم الحسينية في بيوتهم ومساجدهم و»دواليبهم» ولم تكن لهم مبان مستقلة لهذا الغرض سوى الحوزة العلمية للشيخ حسين العصفور البحراني في قرية الشاخورة إلى أن قامت عائلة بن رجب قبل نحو قرنين ونصف القرن ببناء المأتم الحالي الذي يحمل إسمها في «فريج الحطب». ولهذا فإن الفضل الأول في ظهور مأتم خاص للشيعة من عجم البحرين يعود إلى علي كاظم الذي ظل يرعاه وينفق على صيانته وتوسعته إلى أن كبر في السن فأولى عملية الإشراف عليه لإبن عمه عبدالنبي بوشهري لينصرف هو إلى رعاية «مأتم بوشهري للنساء» الذي أقيم في عام 1892 في بيت الحاج عبدالنبي بوشهري. وفي هذا السياق يخبرنا عبدالله آل سيف قائلا: إن قرار علي كاظم المشار إليه كان سببه هو أن «المسؤولية الاشرافية أخف، مع أنّ الصرف المالي أكثر لما يتطلبه مأتم النساء من مصاريف مضاعفة على الغليون (القدو) والشاي والقهوة والماء والثلج، ناهيك عن وجبات الطعام الأخرى، ولما يشهده المأتم من تواجد نسائي كثيف وعلى مدار الساعة، حيث احتفالات المواليد والوفيات وكان إعداد القهوة وطبخها يتم على يد نساء عربيات مهمتهن إعداد القهوة في قدر كبير ثم يغادرن المكان لتقوم بعض النسوة العجم من الحضور بتوزيعها على مرتادي المأتم». لكن آل سيف أغفل هنا دور العديد من وجهاء العجم في إقامة المأتم المذكور ورعايته من أمثال أبوالقاسم شيرازي، حسن برازجاني، حسن محمد علي بلجيك، محمد طاهر آل شريف، عباس كازروني، حاجي علي حاجي، عبدعلي بدر، ميرزا علي جواهري، جعفر رويان، وميرزا عباس شيرازي.

ومن القصص التي تعكس إنسانية بوشهري أنه داوم على مدى 15 عاما على مد عجوزين من طائفته بالمال كي يسهل عليهما العيش بعد قرار السلطات البريطانية في عام 1906 نفي إبنهما ومعيلهما المثقف الإيراني «محمد أردكاني» الذي أقام في البحرين مع والديه واشتغل في بيع المجلات والكتب من خلال مكتبة صغيرة في المنامة، وكان يكتب مقالات نارية ضد الإنجليز وينشرها في الصحافة الهندية.

وعن زيجات بوشهري يقول آل سيف أنه بعد وفاة زوجته الأولى في بوشهر بعد خمس سنوات من قدومه إلى البحرين بسبب الامراض والأوبئة، تزوج من إحدى بنات السادة الغريفية البحرانيين المقيمين في بوشهر، ولما توفيت الأخيرة بعد أن أنجبت له مولودا تزوج من زوجة ثالثة في عام 1878 وكانت عربية صارخة الجمال من فريج الفاضل، لكن هذه أيضا توفيت مع مولودها فتوقف عن الزواج لعقد من الزمن إلى أن جاء إلى البحرين إبن عم أبيه «عبدالنبي بوشهري» في عام 1888 فعقد قرانه وهو على مشارف الستين من العمر على أخت الأخير التي أنجبت له كل ذريته. وحينها انتقل للسكن في «فريج المخارقة» في بيت ضخم بناه لنفسه مقابل بيت الوردي على مداخل سوق المنامة القديم. كما أنه استملك بالشراء من الدواسر قطعة أرض كبيرة في المخارقة بالقرب من منازل الحلواجية وأقام عليها مجموعة من «البرستيات» لأغراض تأجيرها على فقراء العجم بإيجارات منخفضة.

وحينما توفي بوشهري في 1937 عن عمر ناهز السابعة والتسعين ترك وراءه خمس بنات وولدين هما حسين و»أبو القاسم» اللذان أنجبا الكثير من الأبناء والبنات.

وأخيرا فإن آل بوشهري لعبوا دورا في تأسيس ثاني مدرسة نظامية في البحرين بعد مدرسة الإرسالية الامريكية التي تأسست في 1899. ففي عام 1913 قررت مجموعة من التجار العجم تأسيس مدرسة خاصة لتعليم البنين. وكان من ضمن المؤسسين، طبقا لما ورد في كتاب «مائة عام من التعليم النظامي في البحرين»، كل من: عبدالنبي كل عوض كازروني، عبدالنبي أحمد بوشهري، ميرزا حسن دشتي، أبوالقاسم لطف علي شيرازي، كل حاجي عباس بوشهري، وميرزا علي عبدالرضا دشتي.

عقدت المدرسة فصولها الدراسية في بادئ الأمر على عتبات مأتم العجم في «فريج المخارقة» في أكتوبر 1913، ثم انتقلت إلى عريش مؤقت في مواجهة المأتم. وفي 1915 انتقل العريش إلى مبنى كبير مستأجر من «جمعة بن ناصر بوشهري» وأطلق عليها «مدرسة الإصلاح المباركة». وظلت هناك حتى 1923 حينما انتقلت إلى مقرها الدائم في «فريج الحمام» قرب مدرسة فاطمة الزهراء. ومع الانتقال الأخير استبدل اسمها إلى «مدرسة اتحادية إيرانيان والإصلاح».

والمعروف أن مدرسة العجم هذه انفصلت إلى مدرستين قبل أن تتحدا مجددا. ففي 1927 توفي المؤسس عبدالنبي كازروني فحاول الحاج عبدالنبي بوشهري أن يسيطر على مجلس إدارة المدرسة، لكنه فشل فانسحب وأسس مدرسة أخرى سماها «مدرسة التربية» التي عــُرفت أيضا باسم «مدرسة بوشهري»، ولاحقا باسم «مدرسة الأخوة الايرانية» تحت قيادة الحاج حيدر أسيري. واستمر الانفصال حتى 1931 حينما اتحدت المدرستان تحت اسم «مدرسة اتحاد ملي» أي «مدرسة الاتحاد الوطني» وظلت كذلك حتى 1979 حينما تم تغيير اسمها إلى «مدرسة الجمهورية الإسلامية في البحرين» التي تم اغلاقها في 1996.

صحيفة الايام، العدد 9153 الجمعة 2 مايو 2014 

تعليق واحد

  1. المنزل في الصورة يعود للمرحوم الحاج طه بن محسن الطواش في فريق الحمام.

أضف تعليق

مرايا التراث

في تاريخ وتراث البحرين