مسجد الشيخ المؤمن من أبرز المعالم الإسلامية في البحرين

بقلم: فؤاد إبراهيم الشكر

حثّ ديننا الإسلامي الحنيف على بناء وإعمار المساجد والمساهمة في خدمتها والعناية بها، فهي بيوت الله على الأرض وفي رحابها يتقرب الإنسان المؤمن إلى الله بالعبادة والصلاة والذكر وتلاوة القرآن الكريم ولهذا المسجد المبارك تاريخ حافل وطويل ارتبط بمدينة المنامة والذي يمتد من منتصف القرن الثاني عشر عندما قام الشيخ محمد المؤمن ببناء المسجد في عام ١١٥١ هجرية يوافقها بالميلادي عاما ١٧٣٩/‏‏١٧٣٨م.

وتذكر المصادر التاريخية كان يوجد جدول ماء جارٍ يُعرف بساب المشبر يمر بالجهة الجنوبية من المسجد ويستخدم كميضأة للمؤمنين المرتادين على المسجد وينبع من عين بداخل قلعة الديوان «قلعة الشرطة» وتحدث المرحوم السيد علي بن محسن الصفار الغتم أشهر صانع للدلال العربية النحاسية أنه مع مجموعة من الصبيان استحموا بحوض معروش بالسعف أقيم على جانبي جدول المشبر بالقرب من المسجد والذي تم ردمه بالكامل في ثلاثينات القرن الماضي.

وعلى مدى عقود أمّ صلاة الجماعة بهذا المسجد كبار العلماء الاجلاء ومنهم فضيلة الشيخ خلف أحمد العصفور ومن بعده فضيلة الشيخ باقر أحمد العصفور ومن ثم فضيلة الشيخ الميرزا حسن العرادي إضافة إلى الأنشطة الدينية التي تقام بهذ المسجد الواقع بالجنوب من فريق المخارقة والذي يعد الآن من أقدم المعالم الإسلامية التي شيّدت بهذا الجزء من المدينة القديمة وما يتداوله كبار السن انه قد جدد بناؤه مرات عديدة خلال المائة سنة الماضية وآخرها عندما تم هدمه بالكامل في السنة الأخيرة من القرن الماضي.

وكان لإعادة عمران المسجد في السنة الثانية من عقد العشرينيات مختلفًا عما سبقه من نمط البناء السائد بتلك الفترة وقد قسّم إلى جزئين الشرقي ويُشكل ثلث مساحته فضاءً مفتوحًا وبه دورة المياه وترتفع المنارة على الركن الشمال الشرقي، وأما الجزء الغربي فهو مصلى مسقوف وتوجد بأعلاه بروز فنية من الجص ممتدة على جزء من جانبي السقف وتعرف بالحمائم وقد هدم بالكامل في بداية العام الاخير من الخمسينات بسبب القدم.

حيث تم إعادة بنائه من جديد وبإمكانيات أكثر تطورًا والذي افتتح في نهاية عام 1959 «ألف وتسعمائة تسعة وخمسين» ميلادية والذي رمّم عدّة مرات وفي السنوات الأخيرة من التسعينيات بدأ المسجد بالتصدع فقامت مجموعة من أهل الخير بجمع التبرعات من أجل هدمه وإعادة بنائه من جديد ولما علم الأمير الراحل المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة بهذا الأمر أوعز إلى وزير العدل والشؤون الإسلامية بإعادة بناء المسجد على نفقته الخاصة وبدوره حمل الوزير إلى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية رغبة الأمير الراحل في إعادة البناء وفي الجلسة الرابعة للمجلس الأعلى صدر القرار بتنفيذ الأمر، حيث قامت بتكليف إدارة الأوقاف باختيار أحد المكاتب الاستشارية الهندسية المتخصصة وتم الاتفاق مع مكتب يوسف داوود الصائغ بإعداد الخرائط والتصاميم وفق أعلى المواصفات والمقاييس وبعد أن جهّزت كل المتطلبات هدم المسجد وأقامت إدارة الأوقاف حفلاً، ووضع حجر الأساس في يوم الثلاثاء السادس من شهر يوليو عام 1999م للبدء بالعمل في تنفيد هذا المشروع الإسلامي.

واستغرقت أعمال البناء ما يقارب 14 شهرًا للمبنى المكون من دورين ويتسع لحوالي ألف مصلى وقد خصص الطابق العلوي مصلى للنساء وكما احتوى على مكتبة حديثة وارتفع على جانبي الطرف الشرقي منارتين على علو ثلاثين مترًا ومستوحاة من حقبة العمارة الفاطمية الإسلامية وقبّة كبيرة مزينة بالكاشاني الملون منقوش من تصميم إحدى الشركات الفرنسية المتخصصة، إضافة إلى ملاحق خارجية خاصة بالمسجد ويتميز موقع المسجد بوجود براحة بالشمال وأخرى بالجنوب وطريق بالشرق، حيث توجد بيوت عائلة الصيرفي وممر ضيق بجهة الغرب ويوجد بيت الصيرفي ثم مأتم المعلمة زينب ابو عقلين وعمارة وقف للمسجد وكان سكن لعائلة السيد ابراهيم الشيبة وبعد الانتهاء من جميع أعمال البناء وكافة التجهيزات اللازمة أقيم حفل الافتتاح في تمام الساعة السابعة مساء يوم الاربعاء الحادي عشر من أبريل عام 2001 ميلادية وألقى الخطيب والأديب السيد محمد صالح عدنان الموسوي أبياتًا من الشعر ابتهاجًا بهذه المناسبة.

ولسنوات طويلة ولازال تقام به مجالس العلم وقراءة الدعاء ليلة الجمعة وكذلك إحياء جميع المناسبات الإسلامية ومنها ذكرى المبعث النبوي الشريف، والإسراء والمعراج، وليلة القدر الشريفة ومواليد ووفيات أهل بيت النبوة الأطهار وليلة النصف من شعبان والأعياد الإسلامية ومشاركة الحجاج بوقفة عرفة، وكما كان للمسجد دور بارز قبل وجود الصناديق وإشهار الجمعيات الخيرية، حيث كان تجمع الأموال وما يقدّم من عينيات من قبل أهل البر والإحسان وتقدّم للعوائل المتعففة أو التي أصابتها كارثة وما يحل على الأفراد من نوائب.

وذكر الآباء الذين درسوا عند المعلم المرحوم الملا أحمد سريو الذي كان يعلّم أبناء الفريق قراءة وحفظ القرآن الكريم في بيته بفريق المخارقة، وكما كان خطيبًا حسيّنيًا وقيّمًا ومؤذنًا ويقيم صلاة الجماعة في مسجد مؤمن بالثلاثينات من القرن الماضي.

وبعد وفاة فضيلة الشيخ محمد علي حميدان قاضي المحكمة الشرعية أواخر عام 1954 ميلادية الذي كان يتصدر مجلس هيئة ثبوب هلال شهر شوال وإعلان ثبوت عيد الفطر بمسجد بن خلف انتقلت الجلسة إلى مسجد مؤمن تحت رعاية فضيلة الشيخ باقر العصفور مع مجموعة من العلماء الافاضل لتداول الأمر، حيث كانت تفد جموع غفيرة قادمة من كل مناطق البحرين وتحيط المسجد من كل جانب وتقف لساعات في انتظار البيان الصادر من العلماء بثبوت هلال شوال وكذلك تحديد موعد صلاة العيد وتتفرق الجموع المحتشدة منطلقة إلى مناطقها لتزفّ إليهم خبر نبأ العيد السعيد.

وفي الخمسينات وبداية الستينات كان تتجمع أعداد من الحجاج القادمين من بر فارس وكذلك من دول الخليج، حيث يسكنون بخيام تنصب أغلبها على جوانب المسجد، حيث يستضيفهم المقاول قبل مغادرتهم لأداء فريضة الحج وبعد عودتهم من الأراضي المقدسة لعدّة أيام. وكما اتخذ الأخوة الأحسائيون البراحة الشمالية موقعًا لطبخ لقمة البركة في أيام عاشوراء لعدة سنوات للمعزين وللأخوة القادمين من الأحساء للمشاركة بإحياء عاشوراء وتوقّف الطباخ بالبراحة بعد ان توفر لهم المكان المناسب.

وبعد افتتاح المسجد، حيث توجد الكثير من أنشطة التي تقام بالمسجد طوال العام أبرزها إحياء ليالي شهر رمضان المبارك، إلى جانب العديد من البرامج التربوية والتوعية وتعليم وتثقيف وتوجيه الناشئة، حيث توضع أسفل كل منارة على جانبى المسجد لوحتان تحمل بصمات كبار الخطاطين في البحرين كإعلان عن الأنشطة أو الدورات ستقام بالمسجد أو تزيّنها آيات من سور القرآن الكريم أو أحاديث نبوية شريفة أو أقوال مأثورة.

وفي منتصف الستينات 1965م وقبل ان يهدم مأتم العجم الكبير قام عدد من كبار وجهاء العجم بمشاورة مجلس إدارة الاوقاف الجعفرية وبعد أخذ الموافقة وبالتنسيق والتعاون مع القائمين على خدمة ورعاية المسجد فقاموا بإحياء شعائر عاشوراء وباقي المناسبات الدينية بهذا المسجد بكل يسر حتى تم اكتمال بناء المأتم.

وفي عام 2015م شاهدت صورة للوحة جميلة تظهر بها منارتان وقبة المسجد المبارك والتي أودعت بإحدى صالات العرض بالمتحف الحربي الأسترالي بالعاصمة كامبيرا والتي رسمها الفنان البحار «بيتر جيرجر» الذي رافق طاقم السفينة إلى طافت بدول الخليج ولأجل توثيق جانب من الرحلة أراد أن يرسم لوحة تمثل البحرين وصادف خلال تجواله من السوق إلى جنوبي المنامة فقد أعجبه هذا المشهد ووقف يرسمه لعدة ساعات وقام أبناء فريق المخارقة بواجب الضيافة وحتى أنجز اللوحة.

وكما تصدر إمساكية جدارية ورقية متميزة من قبل أحد المؤمنين باسم «تقويم المؤمن» وهو إصدار خاص لشهر رمضان المبارك ويوزع على المؤمنين بالمسجد وكذلك باقي مساجد المنامة مطلع شهر رمضان من كل عام وفي السنوات التسع الأخيرة تم تحديثها، حيث قسّمت لجزئين، حيث أبقي على الإمساكية بكل تفاصيلها مواقيت الصلاة والحوادث التاريخية وأضاف إليها «كانت أيام» وهو الجزء الذي به عدد من الصور والوثائق التي تبيّن مدى التطور في البحرين ونهضتها في شتى المجالات على مدى قرن من الزمان.

ولازال إشعاع هذا المسجد المبارك ينير نفوس الكبار وتعليم وتربية الناشئة وزرع التآخي واللحمة بين أبناء المجتع ومواصلة الدعوة الوعظ والإرشاد ويتسابق الكثيرون من أبناء المنامة ومن خارجها بخدمة هذا الصرح الإسلامي الكبير بلا حدود، مواصلين مسيرة الآباء وخاصة في زمن التطور العلمي والتكنولوجي لتصل أنوار هذا المسجد الكبير إلى كل مناطق البحرين وباقي دول العالم.

المصدر: https://alay.am/p/5q23

أضف تعليق

مرايا التراث

في تاريخ وتراث البحرين